طارق سعد يكتب: أكرم حسني .. مشخصاتي العائلة الكريمة

Last updated:

من السهل أن تكون ممثلاً في وقت أصبح النجاح أيضاً سهلاً لكن الصعب الحقيقي أن تدخل في نسيج الأسرة والعائلة وتصبح واحداً منهم ومصدر ثقتهم فيقبلون عليك بشغف يبحثون فيما تقدمه ويستمتعون به ويجدون أنفسهم فيه ويختمون معك عملك بالتصفيق والاحترام .. فقط لأنك قررت أنت تكون فرداً منهم.

لا شك أن “أكرم حسني” قرر منذ احترافه التمثيل وتصدر الأفيش بالبطولة أن ينفذ “الوصية” .. ليست مسلسله الأول الذي حقق به نجاحاً تاريخياً ولكن وصية أجداده من رواد الفن الذين أسسوه وبنوه على أعمدة الرسالة والمضمون الهادف حتى إن كانت النية ضحك .. فالضحك يأتي محملاً بتفاصيل كثيرة تحوي معالجات لأوضاع عليلة فيُصلح الضحك ما أفسدته الأيام وسقطات المجتمع.

سيمفونية فنية عزفها “أكرم حسني” في مسلسله “بابا جه” فكانت اللافتة كوميديا وهو اللون الذي تخصص فيه “أكرم” ويحبه منذ أن قام “أبو حفيظة” بتقديمه للجمهور ولكن المضمون رسالة اجتماعية في منتهى الأهمية والحساسية وربما يُبنى عليها كثيراً دون أن ندري أو نلتفت من انحرافات المجتمع فأهمية وجود الأب التي طرحها “أكرم” بذكاء شديد وخفة ظل “بيتوتية” دون إيحاءات أو إسقاطات جذبت لها الصغار والكبار فأصبح جمهور العمل من كل الفئات والأعمار ليحقق الهدف الرئيسي من صناعته بالدخول في عمق الأسرة ووضع يده على مشكلة خطيرة في عصبها بكشف خطورة الفجوة بين الآباء والأبناء وتأثيرها عليهم وانعكاسها على المجمتع بشكل عام.

ذكاء “أكرم” ليس فقط في طرح الفكرة ولكن في معالجة الرواية الكورية التي قرر تقديم فكرتها والإشارة إليها بكل احترام وشفافية على أفيش المسلسل وهو ما يزيد من احترامه كمبدع في أعين الجميع وأيضاً الثقة فيه وهي الفكرة التي صاغها بمهارة المؤلفان “وائل حمدي و محمد إسماعيل أمين” وأخرجها “خالد مرعي” بشكل بسيط غير معقد لتصل لكل العائلة.

تكوين “بابا جه” جزء كبير من نجاحه فتقاسم البطولة مع الطفلة “لافينيا نادر” الموهوبة بشدة لدرجة يصعب عليك الاقتناع بطفولتها وتراها شابة عشرينية شديدة المهارة في الأداء وخفة دم طبيعية وتلقائية وجاذبية خاصة تجعلك لا تزيح عيناك عن الشاشة في مشاهدها فهي تجيد التعبير بوجهها وتستخدم عيناها في ترجمة المشاعر والأحاسيس وجُمل الحوار أيضاً فأضاف كثيراً لرشاقة الأحداث واستطاعت تكوين ثنائي كوميدي “لايت” وطبيعي مع “بابا أكرم” وتصاعدت قوة مشاهدهما حتى الحلقة الأخيرة التي انتزعت التصفيق بشدة ودغدغت المشاعر وأتمت إيصال الرسالة المطلوبة والمستهدفة بنجاح بارع يجعلك تحزن لانتهاء المسلسل وأنت في قمة سعادتك بالنهاية في أحداثه ليقدم “أكرم حسني” أهم وأقوى أعماله الدرامية .. ويختم ويوثق شهادة ميلاد نجمة صاعدة كالصاروخ “لافينيا نادر”.

أيضاً أغنية التتر المبهجة البسيطة وفيها استكمال لشكل موسيقي صنعه “أكرم” لنفسه وأصبح لا تخطئه أذن فتستطيع التعرف عليه فوراً أنه يخصه دون تفكير وهو نجاح من نوع آخر.

“مين قال الفن مش لازم يبقاله رسالة؟!”

مجنون من يسوّق لهذا الكلام وجاحد من يستهلك هذا المعنى الفارغ من المضمون فالفن مهما قدم من أعمال وإن كانت كوميديا للإضحاك فيأتي برسالة حتى وإن كان الإضحاك من أجل الإضحاك فالبداية لأي عمل فكرة وأي فكرة لها مضمون وهدف وأي هدف يحمل رسالة وعليه فالقائم أن الفن بكل ألوانه وأشكاله يجب أن يقدم رسالة ودون ذلك .. عبث وفشل جاهلاً من يصنفه فن!

“بابا جه” ليس فقط دعماً لرسالة الفن وتأثيرها كقوة ناعمة ولكنه أيضاً دعماً لـ “أكرم حسني” نفسه أمام الجمهور والصُناع وقبلهم أمامه هو شخصياً فـ “أكرم” يظلم نفسه كثيراً بالتصنيف الكوميدي رغم ما يمتلكه من إمكانيات تمثيلية كبيرة مسجونة في الإضحاك وتكتشف ذلك في مشاهده الدرامية في “الوصية” مثلاً عندما اكتشف أنه اليتيم الناقص لتنفيذ الوصية وأيضاً في “مكتوب عليا” في مشهد المرض وفي “بابا جه” يلمع في مشهد إهانته بالفندق ومشهد اكتشاف الطلب الجديد له أنها “جودي” ابنته وحواره الموجع معها.

“أكرم” مشخصاتي حقيقي يملك أدواته باحتراف وقادر على تقديم ألوان تمثيلية مختلفة مصبوغة بخفة الظل فيستطيع اللعب في منطقة “العمدة – صلاح السعدني” فمن يتخيل أن “السعدني” يقدم شخصيات مثل “سليمان غانم – الحلمية” و”حسن أرابيسك” رغم أن “السعدني” كان أبعد ما يكون على الكوميديا .. ولكنها المغامرة المشروعة للممثل التي تفجر طاقاته وتعيد اكتشاف مناطق جديدة في موهبته ..

روح المغامرة التي يفتقد منها “أكرم” الكثير بل يسعى لتجنبها فيؤجل نجاحات كبيرة محتملة.

“أكرم حسني” مشخصاتي “زي الكتاب ما بيقول” معجون بأجواء العائلة والأسرة ودفئها ومهموم بهدف نبيل يستمر به بين أحضانها دون ابتذال محافظاً على الخط الذي رسمه لنفسه من البداية ليبقى به في صورة محترمة يعبر عن بيوت الأسرة والعائلة المتمسكة بأصالتها فيصبح فنانها المفضل.

“أكرم جه” .. ترحاب الجمهور بعمله الجديد الذي يطل به ثقة فيه وفيما يقدمه ليصبح “أكرم حسني” .. مشخصاتي العائلة الكريمة.