د.طارق سعد يكتب: بالذكاء الطبيعي .. ريهام حجاج تنتصر بـ “أثينا”


الصراع الدرامي في ساحة المنافسة يشتد ويزيد مع زيادة الأعمال الفنية واتساع مساحة التنافس بوجود الشاشات والمنصات ما زاد من إنتاج الدراما وفتح الأبواب لمشاهدة أعمال كثيرة ومتنوعة بنجوم كثيرة على مدار العام والمستفيد الأول ترفيهياً هو المشاهد الذي أصبح يجد “بضاعة” رائجة متوفرة في متناول يده يقلب فيها كما يشاء ويختار منها الأجود والأصلح.

موسم رمضان هو الموسم الأشد صراعاً حماسياً باعتباره الموسم الدرامي الرئيسي لكثافة المشاهدة والترويج الإعلاني فيكون الاهتمام بتقديم الأفضل فيه لحساسية الحكم على الأعمال في ظل هذه الكثافة الكبيرة من المشاهدات والتي تفتح الأبواب لرأي الجمهور على الهواء فسخونة الموسم تجبر صناع الأعمال المستهدفة للعرض فيه ونجومها على دقة الاختيار والتدقيق للدخول في أقوى منافسة وهو ما يلزمه صناعة أعمال مختلفة تحمل الإبهار وقادرة على خطف المشاهد من سلسال الأعمال المنافسة ولكن تظل فكرة تميز عمل عن الجميع تتوقف على الفكرة نفسها التي يطرحها هذا العمل ومعالجتها وتناولها وهو ما يحتاج لذكاء شديد وعين راصدة في الاختيار وهي قاعدة أرستها صناعة الدراما منذ سنوات مع التطور الكبير والمتسارع في أحداث الحياة وموضوعاتها ومعها التطور في الصناعة نفسها.

“أثينا” أحد أهم النماذج الدرامية التي استطاعت تطبيق هذه القاعدة بنجاح كبير واستخدمت الذكاء الطبيعي لمناقشة أهم وأخطر الموضوعات المتعلقة بـ “الذكاء الاصطناعي” من خلال المناطق المظلمة على شبكة الانترنت والتي يطلق عليها “دارك ويب” فاختيار الموضوع نصف النجاح لتأثيره هنا على المجتمع بشكل بالغ الخطورة خاصة الشباب الذي يقع فريسة سهلة لخفافيش الظلام ويدخل معهم في معارك ظلامية تنتهي في كثير من الأحيان بنهاية حياتهم وهو ملف شائك يحمل فيه العديد من القضايا المرعبة والتي تحمل الدراما والفن عموماً مسئولية التعامل معها وتوعية الجمهور من عواقبها وفضح تفاصيلها وهو الدور الرئيسي للفن في حماية الوعي لحماية المجتمع.

“ريهام حجاج” تلعب البطولة الأهم لها على مدار مشوارها ليست فقط كممثلة بطلة العمل ولكن كمنتجة وهي البطولة الأهم فدور “ريهام” هنا كصانعة عمل هو الأخطر لما ستتوقف عليه كل التفاصيل والنتائج وموضع اسمها أيضاً فـ “ريهام” من اللحظة الأولى التي قررت فيها التصدي للعملية الإنتاجية والدخول في معترك الصناعة تعاملت مع الأمر باحترافية شديدة سواء بوجودها في العمل أو عدم المشاركة فيه واختارت الطريق الأمثل وهو صناعة عمل فني ناجح “من الجلدة للجلدة” فكرة وسيناريو وحوار وصورة وإخراج والاهتمام بكل العناصر المكونة له واختيار مناسب لنجوم العمل مع فكرته ومضمونه والأهم هو منحها فرص لجيل جديد من الشباب والرهان عليه في كل عمل بأعداد كبيرة وهي مغامرة يخاف منها الكثير من المنتجين لاعتبارات تسويقية إلا أن “ريهام” اختارت الطريق الأصعب والأهم بفرد مساحات كبيرة لوجوه شابة واعدة بفرصة ذهبية للانطلاق من خلالها وهو ما كررته مجدداً في “أثينا” الذي جمع مجموعة من النجوم الصاعدة في أجواء درامية تشبه الدراما الأجنبية في التشويق والإثارة والبحث من خلال سيناريو متميز للمؤلف “محمد ناير” شديد الحساسية وصعوبة اكتشافك للغز القضية وحرق الأحداث هو العامل الأقوى لنجاح هذه النوعية من الأعمال التي تحتاج ذكاء في تناولها لتحقق الهدف المطلوب خاصة في ظل وجود قضية خطيرة مثل الـ “دارك ويب” التي تناولتها “أثينا” وأشارت إليها أحداث “مسلسل “حدوتة منسية” من قبل الذي أنتجته “ريهام” أيضاً ولكن في “أثينا” كان موضوعاً رئيسياً بكل تفاصيله وهو ما يوجهك لـ “دماغ ريهام” المنتجة التي تبحث عن الاختلاف الطازج بالقضايا الحديثة الساخنة.

أما “ريهام حجاج” الممثلة فهي في أفضل وأقوى حالاتها ودرجة عالية من النضوج واضحة جداً في تفاصيل أدائها سواء التعبيري أو الحركي أو طبقة الصوت التي اختارتها في معظم المشاهد وتحمل معها غموض الأحداث بجانب اختيار شكلها الخارجي كملابس واكسسوارات وشعر وماكياج هادئ واهتمامها بكل التفاصيل المناسبة لشخصية المراسلة الصحفية العملية المنطقية في بساطة اختياراتها لكل هذه التفاصيل وابتعاد “ريهام” عن التفاصيل التجميلية وهو ما يؤكد على تركيزها الشديد للخروج بها من الورق “لحم ودم” وهو ما زاد من المصداقية وأصبح معامل قوة مهم للعمل وصورته البصرية والذهنية.

المتابع لـ “ريهام” من بدايتها وخاصة مرحلة البطولة سيجد تغيراً كبيراً في الخبرة والتطوير وسهل أن يكتشف أنها “شغالة على نفسها” باستمرار وهو ما يظهر في كل عمل بعد الآخر والسر في هذا التطور الكبير والنقلات الكبيرة في تواجدها وصورتها هو تركيبة “ريهام” نفسها التي تستمع باهتمام لكل الآراء المحترمة والمتخصصة دون تعالٍ وتفرزها وتبحث في نفسها عن الجوانب الإيجابية والسلبية وتعالج وتطور سريعاً وهذا الأداء هو الضامن الوحيد لاستمرار الفنان واحتفاظه بمكانته واحترام الجمهور له وإطالة عمره الفني فالإخلاص الدائم في العمل يضعك على قمة النجاح.

الحقيقة أن “أثينا” يأتي على قمة أفضل أعمال الموسم الرمضاني بامتياز ويرجح كفته أنه من الأعمال القليلة جداً التي تخرج عن القوالب المكررة في معظمها وتقدم فكرة مهمة ومختلفة تكشف بها جزء من عالم خفي خطير بدأ يسيطر على المجتمع ويغتاله في صمت ويجب تسليط الضوء عليه بكل قوة ليس كفكرة فقط ولكن كمضمون أيضاً وهو سر تفوق “أثينا” الذي أثبت أن المعادلة الصعبة سهلة التنفيذ بخروج عمل متكامل بجودة عالية نصف أبطاله وجوه شابة ومن أهم مكاسب “أثينا” إعادة اكتشاف “ميران عبد الوارث” وتقديمها بشكل جديد كشف عن موهبتها الحقيقية بعدما تعرضت من قبل لانتقادات كثيرة وهي مازالت تبدأ خطواتها الأولى ولكن لأن “ريهام” قبل أن تكون منتجة محترفة هي ممثلة فكان الرهان على “ميران”

لتقدم لها “ريهام” فرصة عمرها لإثبات وجودها وموهبتها والتي استغلتها أفضل استغلال وذلك يرجع

لوجود مخرج قائد للعمل “يحي إسماعيل” استطاع أن يخرج من الجميع أفضل ما فيهم ويصدَر حالة التوتر الدائمة الملاصقة للأحداث إلا أنه كان يجب عليه الابتعاد عن الاختراع المسمى بـ “الإضاءة الطبيعية”

والذي تسبب في وجود مشاهد كثيرة مظلمة تتعرف فيها على الممثلين فقط من أصواتهم وهو ما جعل فكرة الـ “دارك ويب” تنسحب عليها وتخرج “دارك سينس”!

يحسب لـ “أثينا” أيضاً أنه من الأعمال النادرة التي لم تلهث وراء الـ “تريند” ولا المسابقات الساذجة التي اعتمد عليها المنافسون للترويج لأعمالهم بشكل خصم كثيراً من قيمتها في الوقت الذي فيه “أثينا” هو أنسب الأعمال لفكرة المسابقات والتي كانت ستحقق نجاحاً كبيراً ولكن وعي “ريهام المنتجة” كان منتبهاً لأهمية وخطورة القضية المطروحة فكان القرار بالحفاظ على قيمتها.

الحقيقة أن “أثينا” مسلسل مهم جداً يخاطب الوعي ويواجه أحد أهم وأخطر حرب من الجيل الجديد للحروب “الذكاء الاصطناعي” مستخدماً السلاح الأهم “الذكاء الطبيعي” لصناعة عمل فني نموذج للقوة الناعمة كأحد الأسلحة الرئيسية في معركة الوعي وينهي السباق فائزاً باحترام الجمهور لعمل احترمه وتنتصر به

“ريهام حجاج” كممثلة ومنتجة ويحملها مسئولية كبيرة في القادم مؤكد ستنتبه كثيراً لتحافظ على مكاسبها.