د.طارق سعد يكتب: أستاذية هشام ماجد


من العادي الطبيعي أن تمتلئ الساحة الفنية بالنجوم يبدعوا ويقدموا أفضل ما عندهم يصولوا هنا ويجولوا

هناك يحققون جماهيريتهم بأدائهم ويحصدون الجوائز ويفتخرون بها ويحلقون في السماء ولكن .. أن يرتقي النجم إلى مرتبة الأستاذ فهي قصة مختلفة تماماً وقليلة تقارب الندرة .. فالكثير من النجوم – القليل من الأساتذة.

تاريخ الأساتذة بدأ منذ زمن بعيد “يوسف وهبي والريحاني وفؤاد المهندس ومحمد صبحي ثم عادل إمام ونور الشريف” وفي مكان خاص ومميز يجلس “سمير غانم” ومؤخراً جاء ليلحق بالركب “أشرف عبد الباقي” فالأستاذية هنا ليست لها علاقة بحجم النجومية ولكنها مرتبطة بالمعنى الحرفي لـ “الأستاذ” فهؤلاء ذهب إليهم اللقب لثقتهم في أنفسهم وأدواتهم وإمكانياتهم وحرصهم على تواجد أجيال جديدة بجانبهم .. يقدموهم ويصنعون لهم مساحاتهم في العمل بل أحياناً يكتبون لهم “إيفيهات” أو مشاهد كاملة لخدمة العمل وزيادة جودته وإعطاء المواهب الجديدة فرصاُ بجانبهم للتعبير عن أنفسهم واستعراض مواهبهم وقدراتهم ليحققوا نجاحهم أمام الجمهور من هالة النجم “الأستاذ” الذي فرد عباءته ليحتوي بها نجوم صاعدة ويخرجهم منها ضخاً لدماء جديدة في محاولة لخدمة صناعة الفن وهو ما ساهم في تواجد أجيال جديدة وبالأخص كوميدية على مدار الوقت أصبحوا هم أيضاً نجوماَ مثل “هاني رمزي- أحمد آدم – صلاح عبدالله – محمد هنيدي” وغيرهم .. منهم من ظل نجماَ .. ومنهم من أصبح أستاذاً قلباً وقالباً .. ومنهم للأسف من أصبح الأستاذ “الأناني” الذي يبحث عن نفسه “من الجلدة للجلدة” ولا يرتاح بوجود إمكانيات أخرى بجانبه ظناً أن هذا لا يجوز ويسرق الكاميرا منه فيقدم كل أعماله معتمدة على نفسه ويختار بجانبه من لن يشكل عليه خطورة كما يعتقد أما الكبار الحقيقيون يفعلون العكس ويجتهدون فيه فلا تنسى فيلم زعيم الكوميديا “عادل إمام” بعد عودته أمام موجة السينما الشبابية التي بدأت في نهاية التسعينات “عريس من جهة أمنية” واسم الفيلم لا يخصه بل يخص البطل الثاني الذي استعان به وقدم له فرصة عمره “شريف منير” وهي سابقة نادرة الحدوث في الوسط الفني ولكن “الكبير كبير”.

من عباءة الأساتذة خرج آخر عنقودهم “هشام ماجد” الذي بدأ حياته الفنية في مجموعة ضمت أصدقاء موهوبين يحلمون بالوصول ولو لأي شيء واجتهدوا كتابة وتمثيل حتى استطاعوا الإقناع بوجودهم وصنعوا أسماءهم كفريق نهائي “هشام وشيكو وأحمد فهمي” فهو يعي تماماً التعب والمجهود المبذول في بداية الطريق للحصول على فرصة للانطلاق وإثبات الذات في ساحة مزدحمة بكثافة بمن يصلحون ولا يصلحون والفرص الحقيقية قليلة .. والأساتذة الحقيقية أيضاً قليلة.

“هشام ماجد” في مسلسله “أشغال شقة” بجزأيه لم يقدم فقط درساً للوسط الفني كله ولكنه فتح مدرسة لمن يريد التعلم من جديد فلم يسيطر عليه النهم بامتلاك الـ “شقة” منفرداً يصول ويجول فيها كما يشاء ولكنه ومنذ البداية بحث عن شركاء له فيها .. شركاء حقيقيون يمتلكون إمكانيات وحضور وقدرات تؤهله لإنجاح العمل وليس “هشام” وحده فيطلب من صناعه طرف آخر أمامه يشاركه في الإضحاك “صد رد” ليقدما ثنائياً قوياً يفيد الفكرة كما يراها فهو مؤمن بفكرة المجموعة التي خرج من رحمها فيأتي “مصطفى غريب” صاروخ كوميدي جديد قابع في قاعدته ينتظر لحظة الانطلاق ويفرح به “هشام” ويقرر تحويل مشاهده المقترحة في السيناريو إلى بطولة مشتركة يقف فيها “مصطفى” بجانبه “كتف بكتف” ويفرد له المساحة كاملة معه لا يبحث فيها عن عدد مشاهده ولا “التكويش على الإيفيهات الجامدة” بل العكس تماماً هو من يغذي “مصطفى غريب” بها ليفجر قنابل ضحك عنقودية لا تنتهي بفطرته وموهبته الخطيرة وتلقائيته وأداء غير موجود على الساحة كلها والجميع يفتقده منذ رحيل أحد الفلتات “طلعت زكريا” الذي شبه الجميع “مصطفى” به في الهيئة والتكوين والطلة والروح والأداء وهو ما صنع له نجومية ضخمة من المحيط للخليج وحفر اسمه نجماً جديداً للكوميديا .. “توربين كوميدي” لا يتوقف بالرغم من أن تقديمه للجمهور جاء باكتشافه في مسلسل “الكبير قوي” مع “أستاذ على قد ما قُسم – أحمد مكي” إلا أن طبيعة ونوعية ومساحة “عربي” في مسلسل “أشغال شقة” صنعت اسم “مصطفى غريب” وقدمته نجماً وهو لم يكن ليحدث لولا “أستاذية هشام ماجد” النقية المخلصة.

“أستاذية هشام ماجد” لم تقف هنا فقط بل تعدت إلى بُعد آخر في البطلة أمامه عندما استطاع تفجير الضحكات من خلال “أسماء جلال” التي قدمت دور عمرها معه لأنها من الأساس لا علاقة لها بالكوميديا .. “أسماء” ممثلة جميلة مجتهدة تحاول الوصول لنسخة أفضل دائماً وهي”لذيذة” لكن ليس لدرجة أن تكون بطلة مسلسل كوميدي ولكن لأن “هشام ماجد” من البداية مرتدي ثوب “الأستاذية” فصنع معها مشاهد كوميدية دون أية خسائر ولو مشهد واحد .. حتى أن “أسماء” في مشاهدها مع آخرين استطاعت انتزاع الضحكات ليس فقط لوجود سيناريو قوي متماسك غني بالضحك ولا مخرج قائد حقيقي لأوركسترا ضاحكة ولكن لأن “أسماء” نفسها ذكية واستطاعت القبض على لجام الشخصية بمساعدة “هشام ماجد” وأخذت من روحه لدرجة أنك لن تفكر في احتمالية وجود بديلة لها أمامه فذكاء “أسماء” ونضوجها وضح صريحاً عندما تمسكت بالعمل واعتذرت عن مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” الذي ربما كان يكون وقتها مضموناً أكثر لموضوعه الصاخب إلا أنها تمسكت بالمغامرة في “أشغال شقة” والتي تشارك فيه أستاذاً في المغامرات الناجحة.

“هشام ماجد” أكد على أستاذيته بإعطاء فرصة ذهبية للفنان الصاعد “أحمد عبد الوهاب” والذي يشترك معه في موهبة الجمع بين الكتابة مع التمثيل ولكن “أحمد” مميز أكثر في التمثيل في الوقت الذي يملك فيه أدوات الكتابة فالتقى مع “هشام” في منطقة تفاهم صنعت لـ “أحمد عبد الوهاب” نجاحاً كبيراً انطلق منه للاشتراك في أعمال مختلفة ففي نفس الموسم تجده في “الكابتن” و”كامل العدد” ويصبح صديقاً للجمهور.

الحقيقة أن “هشام ماجد” بأخلاقه وفنه وعقله أستاذ حقيقي ينتمي لجيل الأساتذة الكبار وصنع امتداداً جديداً لهم وأعطى درساً قوياً لغيره أن النجومية ليست بالسيطرة ولكن النجومية الفعلية بصناعة العمل الذي يتصدره النجم وأن الأنانية طريق مضمون للسقوط.

تبقى الملاحظة الوحيدة التي يجب أن يلتفت إليها “هشام ماجد” وينتبه لها باهتمام هي جملة “يا كافر” التي تتردد في كل أعماله والتقطها منه “مصطفى غريب” ورددها في أحد المشاهد فلا داعي لأن يتحمل “هشام” ذنب عظيم و وذره بترديد الجمهور لها فهي جملة خطيرة ومحرمة وعواقب ترديدها وخيمة خاصة أنه أصبح يشاهده كل الأجيال حتى الصغار في وقت هو ليس في حاجة لأي بقعة في ثوبه الأبيض سواء اتهامات أو مهاجمة بتقديم ما هو أشد خطورة على الوعي .. “مالها يا فاجر مثلاً؟”!

كثيرون نجوم .. قليلون أساتذة .. و”هشام ماجد” أهم وأبرز الأساتذة الجدد.