طارق سعد يكتب: تامر حسني .. فلتة الجيل الحائر

Last updated:

لا يخلو أي زمن من الاستثناءات وغالباً ما تكسر القواعد المتعارف عليها والتابوهات وتخلق لنفسها مكاناً خاصاً بها تتحرك فيه ويشار إليها بالبنان.

في كل المجالات تجد هناك أفراد متميزون خارج الصفوف لا يقبلوا المقارنة ويبذلوا كل جهدهم وأكثر لحماية أنفسهم منها وهو ما يُخرج العلماء والمبتكرين والنجوم أيضاً ويصنع الفارق في المجتمع.

من بين النجوم التي حققت هذه المعادلة الصعبة “تامر حسني” الذي يعتبر هو الأصعب من المعادلة نفسها فما استطاع “تامر” تحقيقه يحتاج مناهج للدراسة والتوقف أمامه وقفة طويلة فمن الصعب أو المستحيل أن يبنى موهوب نجوميته لسنين طويلة وتبدأ نجاحاته من نقطة الانطلاق مباشرة بلا إخفاق البدايات وهو ما حققه “تامر” بامتياز منذ ظهوره الأول في ألبوم “فري ميكس 2” الدسم فنياً من كل الوجوه بأغنية “أنا شكلي هأحبك وآلا إيه” والذي ظهر فيه مع مجموعة نجوم الشركة كوجوه جديدة تقدمها كرهان على صناعة النجوم بجانب تقديم “طلعت زين وهدى عمار” والملحن “وليد سعد” وبداية “بهاء سلطان” مع وجود “خالد عجاج” والنجم الكبير “محمد منير” فيخطف “تامر” الآذان وسط هذا الصخب ويحقق نجاحاً ساحقاً مفاجئاً في وقت لم تكن نشأت فيه الـ “سوشيال ميديا” وكان الإنترنت نفسه يتحسس بداياته فكانت وسيلة الانتشار الوحيدة هي شراء الألبوم وسماع نجومه لتلتقط أذنك موجات نجم قادم بقوة.

نجاحات “تامر” التي توالت بعدها جعلت منه نجم الشركة الأول فهو النجم الشامل .. يغني ويكتب الكلمات ويلحنها .. 

يتمتع بكاريزما وخفة ظل غير مسبوقة ولأنه موهبة استثنائية فكانت مكافأة القدر بوجوده مع منتج استثنائي أيضاً 

“نصر محروس” داهية صناعة الموسيقى الذي وجد تحقيق حلمه هو الآخر في صناعة النجوم ليحققا معاً نجاحات ساحقة وغريبة أيضاً لأنك من الصعب أن تجد أغنية ضعيفة من بين أغاني ألبوماته فكلها تنافس بعضها وبشكل مستقل تجد أن الأغنية نفسها “نجمة” وهي خلطة “نصر محروس” السحرية ومقادير “تامر حسني” السرية لتخرج وجبة فنية شهية مهما تلتهم منها هي باقية ومستمرة وهو أكبر نجاح يحققه المطرب عندما تعيش أغنياته بنفس الروح والرشاقة والجاذبية والبريق منذ توقيت صناعتها امتداداً لسنوات طويلة تالية ليصبح نجماً لجيل كامل.

“نجم الجيل” .. المتعمق في تفاصيل “تامر حسني” سيجد أن هذا اللقب الذي صنعته وأطلقته المخرجة “فدوى مواهب” شريكة نجاحات حفلاته لسنوات طويلة لا يناسب “تامر” ويظلمه كثيراً رغم حسن نواياه فربما يكون نجماً للجيل الذي يتحمل وجود نجوماً كثيرة له ولكنه لن يكون نجمه الأوحد وهو ما يضع “تامر” في صدامات كثيرة ومحاولات إثبات جماهير هذا الجيل نجومية نجومها الآخرين وهي أجواء المنافسة التي يهرب منها دائماً .. حتى فكرة المنافسة مع “عمرو دياب” مجرد منافسة دعائية ليس إلا ومن يعرف “تامر” يعرف أنه مُحب ومن جمهوره ولكنه ومن أول ظهور له بذكائه صنع “تامر حسني” لكن الوصف المناسب له ويناسب ما حققه في مشواره أنه “فلتة” .. نعم هو “فلتة” من فلتات الزمن التي يصعب تكرارها على المدى القريب ليس فقط على مستوى الموسيقى والغناء ولكن كمطرب حقق أكبر نجاحات في التمثيل دفعت منتجه الموسيقي أن ينتج له فيلماً ويشارك في تأليفه ويخرجه أيضاً في سابقة لم تحدث في تاريخ جيله وربما أجيال سابقة والمعروف عن “نصر محروس” أنه لا يفعل شيئاً هباءً ولكنه يستثمر وينجح فأعطى “تامر” ما يريد وأخذ منه ما أراد ليستحق “تامر حسني” عن جدارة لقب “فلتة الجيل” .. 

ولكن ….

يظل “تامر” حائراً يبحث عن المزيد .. شغفه بالنجاح لا ينتهي .. يشعر دائماً أنه يستحق الأكثر فخرج إلى العالمية التي يبحث فيها عن صفحة جديدة من النجاحات وبالفعل أصبح نموذجاً مشرفاً للمطرب المصري .. يبحث عن تقديم “ديوهات” مع مطربين عالميين .. حقه .. أصبح “تامر” منتجاً لنفسه فخرج من عباءات السيطرة .. أصبح يحلق بعيداً .. بعيداً .. وصل هناك بالإغراق في المحلية التي صنعت له قاعدة الانطلاق .. نهمه للعالمية جعله يطور في موسيقاه وأشكاله الغنائية .. حقق نجاحات جديدة .. رائع .. 

ولكن .. “تاني” .. 

فقد “تامر” جزء كبير من المحلية أساسه وأعمدته التي صعدت ببنائه .. تغير “تامر حسني” .. صحيح يملك غزارة إنتاج ولكن التأثير أضعف بكثير من أعماله القديمة .. الجودة موجودة فأعماله دائماً مميزة ولكن روحه العالمية طبعت على أعماله التي طغى عليها التقنيات الحديثة والأشكال الموسيقية الغربية أو كما نطلق عليه “البييت الغربي” بعكس أعماله القديمة المصبوغة بروح جمهوره المحلي .. الإيقاعات والجُمل الشرقية التي قلت كثيراً في أعماله الحديثة .. اهتمامه الدائم بفكرة النجم العالمي بالرغم من أنها حقه إلا أنها بلا أن يدري سيطرت على روحه في تنفيذ أعماله .. 

ودون مجهود في التفكير ستجد كل أعماله القديمة محفوظة كاملة .. كلها .. بترتيبها في ألبوماته أيضاً ولكن في المرحلة التالية ستجتهد لتذكر مجموعة غنائية .. ستجد نفسك تلقائياً يحضر إلى ذهنك أسماء قديمة .. هذه هي الضريبة .. ابتعد “تامر” فبعدت المسافة .. أيضاً السينما .. أعماله القديمة هي الأكثر جماهيرية دون الدخول في فكرة الإيرادات وتفاصيلها ولكن يبقى رأي الجمهور هو الحكم .. أعماله بالطبع لها مذاق خاص وستشاهدها بحب واستمتاع وستصفق كالعادة في النهاية ولكن ليس كما سبق .. “ناقصة حتة” ربما لم يلتف لها!

“نيولوك تامر حسني” الذي قرر فجأة التحول به للدرجة التي غيرت من شكله وطلته زاد المسافة وقد يكون سبباً رئيسياً فيها .. فالصورة اختلفت والجمهور يتعلق بالصورة والشكل الذي ارتبط به .. ارتبط الجمهور بـ “تامر حسني” الذي يشبههم وفجأة لم يجد صورة “تامر حسني” أمامه وكأن “تامر” يقدم عملاً فنياُ مستخدماً شخصية جديدة بتفاصيلها فأنت أمام “تامر حسني” ولكنك تبحث فيه عن “تامر حسني” الذي كنت تعرفه!

الحقيقة أن هناك شوقاً كبيراً لـ “تامر – كل مرة وقرب حبيبي وارجعلي وأكتر حاجة وبنت الإيه وعينيا بتحبك وبأعيش وريح بالك وأنا ولا عارف وكل اللي فات ورسمي فهمي نظمي ويا واحشني” وغيرها من الأعمال التي طُبعت في قلوب الجماهير وذاكرتها لا تنساها وأقربها من الجديد “مش هأتغيرعشان حد” رغم محاولة العودة في ألبوم “عيش بشوقك” إلا أن الاستثمار به لم يتحقق “لسه مش ظابطة” ومازال “تامر” حائراً.

“دماغ تامر حسني” بها الكثير ولا تهدأ وتلتقط كل الملاحظات وتدرسها ويعيد هو ترتيب أوراقه ويصلح ما أفسده الصخب وكعادته وكما يقول وبكل تأكيد سيقف أمام المرآة ويواجه نفسه لأنه يكره نقاط الضعف وهو ما جعله يستمر صامداً ثابت الأقدام وسط كل التقلبات حتى الآن و”تامر” نفسه لا يزال يستحق الأكثر والأقوى وجمهوره متشوقاً في انتظاره.

يحتاج “تامر” فقط أن يخرج قليلاً من “الكادر” ويشاهده من بعيد ليرى الصورة كاملة واضحة والمشهد بكل تفاصيله ..

وبكل ثقة سيعود “تامر حسني بتاع زمان” شكلاُ وموضوعاً فـ “فلتة الجيل” قوة لا يستهان بها .. وسيفعلها.