طارق سعد يكتب: التحدي .. دراما بطعم السينما


طارق سعد يكتب: التحدي .. دراما بطعم السينما

عندما تُقدم على تحدٍ يجب أن تستعد جيداً وتشحن رصيد قدراتك لمواجهة تنتظر منها فوزاً فقط بلا أية اختيارات أخرى .. هذا إذا كنت تؤمن أن التحدي لا يقبل القسمة على اثنين.

أكبر تحدي في هذه السنوات فنياً هو صناعة أعمال تجذب المشاهد وتكسب احترامه وتحقق نجاحاً وسط هذا الزخم الإنتاجي الضخم مع تعدد المنصات وارتفاع حجم الإنتاج الدرامي تحديداً بشكل متضاعف وهو ما يجعل أي منتج يفكر في هذه الخطوة يعيد حساباته جيداً لأن المنافسة أصبحت على أشدها والنجاح أو السقوط تعلن نتيجته فوراً دون انتظار لنهاية العمل.

التحدي الأصعب هو صناعة الدراما العربية بمكونات عالية الجودة للتنوع مع الدراما المصرية المسيطرة على السوق بشكل رئيسي فهي أساس السوق وأساس الطلب وتأتي بعدها الأعمال العربية المشتركة بعد تراجع الدراما السورية بسبب ويلات الدمار التي تعرضت لها وهو ما جعل طوق الإنقاذ في الأعمال العربية المشتركة والتي قد تضم نجوماً من مصر وفي أغلب الأحيان تكون تعاوناً لبنانياً سورياً من نجوم مشتركين وهو ما لاقى رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة بعد ارتفاع أسهم الدراما اللبنانية وأصبحت الصناعة مفرخة لأعمال جماهيرية.

مسلسل “التحدي” حقق المعادلة المطلوبة بامتياز وحقق نجاحاً مبنياً على معطيات منحته صك الجودة من تتر البداية حتى تتر النهاية بتوقيع مؤلف ومخرج سوريين تميزت كتابة “مؤيد النابلسي” بالتماسك والحبكة والإثارة في دراما بوليسية شيقة وجاء إخراج “مروان بركات” رشيقاً بإيقاع متوازن وهو سر نجاح أي عمل .. أيضاً اعتمد على صورة تنافس السينما وتجذبك ببريقها إلى متابعة حلقات المسلسل حتى النهاية وهو ما يحتاج إنتاجاً مميزاً ومحترفاً يدعم العمل بقوة ويحقن قوته بإمكانيات تنساب الخطة الموضوعة من البداية وهي تحدي الدراما بروح السينما.

الحقيقة أن الإنتاج هو العمود الفقري لأي عمل فني وهو ما يصعد به إلى القمة أو يسقط به إلى الهاوية فخطورته تحتاج عقلية إنتاجية مبدعة وثاقبة تستطيع توظيف وتسخير كل الإمكانيات لتحقيق الهدف من العمل وهو ما نجح فيه تماماً المنتج المصري “سامح مجدي” الذي يتميز إنتاجه دائماً بالسخاء وبريق الصورة وجودتها العالية فاختار الأصعب كالعادة وهو تقديم عملاً مبهراً متوفراً له كل عناصر الصناعة وأدواتها في نفس الوقت الذي يخرج فيه العمل بكل بساطة غير مزعج في تفاصيله فتشعر بأناقته دون أن تشعر بمحاولة لاستعراض العضلات .. هناك الكثير من المنتجون الذين يذهبون إلى الفخامة الزائدة رغبة منهم في “تنجيم” العمل فيسقط العمل في براثن الـ “أفورة” إلا أن المنتج “سامح مجدي” الذي يعتبر أحد نجوم “التحدي” بعينه الثاقبة اختار التركيبة الأصعب ولكن نتائجها مضمونة في تحدٍ فني صريح ليخرج هذا “التحدي” بصورة سينمائية ويحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً حتى نهاية حلقاته ما جعله يحتل مركزاً متقدماً في ترتيب الأكثر مشاهدة على منصة “شاهد” المعروض عليها فيبني جسراً من الثقة ويجعلك مطمئناً في القادم وسط مجموعة من المنتجين القلائل لأي عمل يتصدر إنتاجه المنتج “سامح مجدي” .

نجاح مسلسل “التحدي” كجزء ثانٍ لمسلسل “سر” دفعة قوية للمسلسلات ذات الأجزاء التي تشرف لبنان على إنتاجها في خطوة جديدة يمكن أن تفتح أبواباً غير تقليدية أمام هذه النوعية من الدراما شرط توافر عناصر الصناعة الناجحة التي تجذب المشاهد فتوازن النجاح بين الأجزاء المتعددة.

“التحدي” بطول حلقاته كان مهمة ثقيلة على صناعه إنتاجاً وكتابة وإخراجاً ولكن بصناعة ذكية جاء دراما بطعم السينما وهو “التحدي” الحقيقي الذي تحقق بنجاح يستحق الاحترام.