طارق سعد يكتب: أزمة تعري!


طارق سعد يكتب: أزمة تعري!

 

أن تصبح نجماً مشهوراً ولك جمهور تملك لديه رصيداً طيباً فهذا ليس ترفاً ولا زهواً بل هو مسؤولية كبيرة تحمل بداخلها مسئوليات كثيرة ومتعددة فقد أصبحت مسئولاً عن تصرفاتك وأفعالك أمام جمهورك ومسئولاً عن جمهورك نفسه ورضاه ونظرته إليك واحترامه لك سواء على المستوى الفني أو الشخصي لا أن تفعل ما تريد بأي شكل وفي أي وقت وبلا حساب سواء بقصد أو بسذاجة أو حتى بـ “عبط” معتمداً أنك نجم وكل ما تقدمه تحصنه النجومية.

 

هذا ما لم تدركه “رانيا يوسف” عندما قررت أن تلفت الأنظار في ختام مهرجان القاهرة السينمائي فارتدت فستاناً فاضحاً صدمت به الجميع فبدلاً من أن يلتفت الجمهور إلى ختام المهرجان جاءت “رانيا” وضربت “كرسي في الكلوب”  لتتهافت عليها الكاميرات وتذهب إليها الأنظار وتصبح “رانيا يوسف” الحدث الأول ومحور الحديث والبحث والاهتمام فتحقق ما أرادته على السجادة الحمراء ويتوارى المهرجان وحفل ختامه ليصبح في المؤخرة!

 

المفاجأة أن القنبلة التي فجرتها “رانيا” على السجادة الحمراء ارتدَّت موجاتها الانفجارية إليها سريعاً بعد الهجوم الكاسح الذي قابل هذا الفعل الشاذ عن مجتمعنا في محاولة للتمسح بما سُميت بالعالمية ولم تفهم “رانيا” وزميلات الفكرة أن التشبه بالعالمية يكون بالمجهود والعمل وتقديم أعلى مستوى وأفضل الأعمال لا بكشف المستور واجتذاب الأعين لحلم يستحيل التحقق إلا فىي غرف النوم.

 

المشكلة هنا ليست “رانيا” أو فستان “رانيا” أو “فلانة وعلانة” ولكن المشكلة الحقيقية التي يجب التوقف عندها إذا كنا فعلاً نبحث عن حل أو علاج هي في من أقر هذا الطريق من الأساس ووضعه شرطاً للعبور إلى النجومية المزعومة .. بعض أهل الصناعة المنحرفين عن المسار والذين انتشروا في الوسط الفني منذ سنوات طويلة وتكاثروا وصنعوا جداراً أمام فرص العمل مقابل التنازل .. والتنازل درجات يبدأ بـ “التعطيف والتلطيف” مروراً بكشف المستور حتى ينتهي بالفجور وهو ما ينسف المبادئ والقيم والأخلاق ويصنع من التنازل كارتاً مدفوعاً مقدماً لعبور بوابة الشهرة والنجومية يتم إعادة شحنه حسب المرحلة فكم من فنانين محترمين يجلسون في منازلهم لمجرد أنهم مازالوا بسذاجة يتمسكون بمبادئهم.

 

هؤلاء المنحرفون من أهل الصناعة والذين أصبحوا ابتلاءً لها هم من دفعوا طالبى العمل للفت أنظارهم وبالطبع هذه الأنظار لها وجهة محددة فأصبحت عبارة الراحل “عبد الله فرغلي” الشهيرة في مسرحية “مدرسة المشاغبين” هى الحل السريع … “كل ما تتزنق إقلع” خاصة في ظل المنافسات الشرسة والغير شريفة وهناك من يقدم تنازلات أكثر حتى يحصل على فرص أكبر وأصبح القابض على مبادئه في قبضته حمم بركانية.

 

محاولة البعض مساءلة إدارة المهرجان أو بعض الموتورين راغبي الشهرة ممن ذهبوا لساحات المحاكم ليختصموا “فستان” ويطالبون بمنع صاحبته من السفر هم الابتلاء الحقيقي لأنه من الغباء أن تحاسب النتيجة وتترك السبب فالحقيقة أن “رانيا يوسف” بغض النظر عن الخطأ الفادح الذي ارتكبته في حق نفسها والذي يرتقي إلى “مصيبة” إلا أنها ضحية … ضحية لأفكار تم غرسها وفرضها ليس على الوسط الفني فقط ولكن على المجتمع ككل في جميع المجالات من بعض المنحرفين الذين يملكون الأمر والفرصة كفساد عام فلا يختلف ما فعلته “رانيا” عندما قررت أن تخدعك بـ “بطانة” فستان فردَّتها لها الـ “بطانة” في مقتل عن فنانات استبدلن الحجاب بباروكة بعد تناقص فرص تواجدهم به في أعمال جديدة فكلها تحايلات كاذبة وخائبة للبقاء!

 

الغريب أن واقعة “فستان رانيا يوسف” غطت على حادثتين شديدتا الأهمية في ختام المهرجان لم ينتبه إليها الكثير ممن تاهوا في هذا الصخب …

 

الأولى خاصة بالتنظيم وحفل الختام الهزيل الذي لم يحضر فيه أصحاب الجوائز لاستلامها وبدلاً منهم صعد على المسرح مندوب من سفارة دولة كل فائز لاستلام الجوائز في واقعة لها دلالات منتهى السوء.

 

أما الثانية فكانت الكارثة الحقيقية وهو التصرف المشين والـ “سافل” الذي فعلته المحسوبة على لقب فنانة “سما – العفو – المصري” عندما تمايلت على السجادة الحمراء بفستان يكاد ينفجر من تضاريس لا يستوعبها وذهبت أمام الكاميرات ووقفت بظهرها لتتيح لهم فرصة التصوير وكشف خلفيتها التي أهلتها للسير على سجادة المهرجان الدولي دون ممارستها أى فن من الأساس وهي في منتهى السعادة تضحك وتداعب المصورين وتعود لتدور لهم بظهرها أكثر من مرة باعتبارها المؤهل الوحيد الذي تمتلكه ليتردد اسمها وتتواجد بين النجوم.

 

هنا يجب أن يكون لنا وقفة ونحاسب إدارة المهرجان لتبحث عن صاحب كتابة اسم مدعية الفن على دعوة مهرجان عريق والتواجد في افتتاحه وختامه وهذه ليست المرة الأولى رغم تغير الإدارة وهو ما يدفعنا لمعرفة نفوذها للوصول إلى المهرجان والمسؤول عن سير الـ “لا مؤاخذة” على سجادة المهرجان بشكل سافر ومقزز ومهين فإن كانت “رانيا” خانها التوفيق في حساباتها فى اختيار فستانها إلا أن الأخرى أتت بفعل فاضح في مهرجان عام يستوجب محاسبة المسئول عن تواجدها قبل محاسبتها.

 

للأسف نحن نمر بأزمة حقيقية هي في الأصل أزمة تعري وليست عُري فالعُرى في المطلق هو حالة مرتبطة بثقافة خاصة ومناخ عام تسود من خلاله وتستطيع السيطرة عليها بقوانين وسلطة وهذه الحالة بالطبع غير موجودة أو سائدة إلا أن التعرى يحدث بقرار شخصي من صاحبه لتحقيق هدف ما وأحياناً مدفوعاً ممن يملكون مصيره أو يُخيل له ذلك فتختلف الحسابات خاصة بعد الإصابة بهوس الموضة الصادمة وتقليد الغرب ومؤكد لو كانت راجعت “رانيا يوسف” حساباتها جيداً قبل اختيار فستان ختام المهرجان ولم تقتصر نظرتها المحدودة على الـ “سوكسيه” واتسعت لتقيم وضعها لدى جمهورها والمردود المتوقع وكذلك وضع بناتها أمام هذا الفستان لتراجعت فوراً قبل أن تتراجع نجوميتها من التقدير في الصفوف الأولى إلى المؤخرة.

 

اعتذار “رانيا يوسف” مقبول واعترافها بالخطأ يُحترم وهو أفضل من الـ “مقاوحة” ويدعمه رصيدها الفني والجماهيري .. وموقف حازم من النقابة المسؤولة أيضاً ضروري ليكون إنذاراً لتحمل النجوم مسئولياتهم تجاه أنفسهم وجمهورهم ونقابتهم أما الأهم من ذلك فهو محاسبة كل من يشوهون صناعة الفن ويمررون إليه من يرضى أهواءهم ويدفعون إلى التنازلات مقابل الحصول على فرصة مفترض أنها مشروعة ويتسببون كثيراً في حجب من يستحقونها وتدمير مواهب حقيقية “مالهاش في الشمال” فيجب تطهير الصناعة ممن مع سبق الإصرار والترصد صنعوا أزمة تعري!

 

الحقيقة أن الأمر أصبح يستغيث بشّدة غربال قوية لإنقاذنا من أزمة ليست فقط مهنية ولكنها في الأصل أخلاقية.