طارق سعد يكتب: حمادة هلال يصنع التاريخ على جثة الدجال

Last updated:

ليس مجرد لعبة أو ترفيه لتسلية الوقت .. الفن الحقيقي يولد دائماً من فكرة بهدف يسعى لإرسالها إلى المتلقي وهو ما يجعل الفن في مضمونه رسالة صريحة .. الفن الحقيقي لا العبث.

من البداية و”حمادة هلال” مستوعب هذا المعنى تماماً ويهتم بتطبيقه عملياً بأكبر قدر ممكن وهو ما ساهم في نضوجه مبكراً سواء على مستوى الغناء كمطرب بطاقة تعارفه مع الجمهور في خانة المهنة أو كممثل في مهنته المستحدثة التي أتاحت له الوصول للجمهور بشكل أكثر عمقاً وتأثيراً.

 مرحلة جديدة في حياة “حمادة هلال” الفنية بدأت مع تقديمه أول جزء من مسلسل “المداح” الذي انتقل به إلى مكان بعيد ومختلف تماماً قفز به فوق الأسلاك الشائكة ودخل به حقول الألغام وفتح ملفات خطيرة تُفتح لأول مرة بهذا الشكل الذي حقق نجاحاً غير متوقع على مدار 4 مواسم جعل اسم “حمادة هلال” على قمة موازية في الموسم الرمضاني وبشكل أوسع أصبح “المداح” النقلة الأكبر والأهم ونقطة التحول في حياته الفنية ليصبح “قبل المداح حمادة .. وبعد المداح حمادة تاني خالص”.

أهم ما يميز الجزء الرابع هو التصدي لـ “الدجال” وفضح العالم الموازي الذي أصبح يتحكم في شرور الدنيا ويحاول تحريك الأحداث من خلالها فكثيرون لا يعون ما يحدث ولا يجدون تفسيراً لأحداث معينة قد تكون غريبة على المجتمع والإنسانية كلها مثل الأم التي قتلت ابنها وطهته وما على شاكلتها بجانب حوادث القتل والانتحار الغريبة التي فتح “المداح” ملفاتها برؤية مختلفة تكشف ما يدور من حولنا ونُستغل فيه رغماً عنا بقدرات خارجة عن قدراتنا وتفوقها بمئات السنين.

الغالبية حتى وقت قريب كانت تنظر لعالم الجان بعين الأساطير وتستبعد رؤية “الدجال” على اعتبار أن ظهوره في آخر الزمان فـ “يا مين يعيش” إلا أن “المداح” أحدث إفاقة مفاجئة بصناعته التي جمعت حوله الجمهور ليروا أن “الدجال” موجود بيننا بأتباعه والعديد من أدوات التطور التكنولوجي وهو ما برز في تفصيلة خطيرة في الأحداث عندما كانت “هبة” أخت “صابر” تجلس على السرير ممسكة بهاتفها المحمول وتشاهد فيديوهات للدكتور “سميح” وتضع السماعة في أذنها وهنا جاءت التفصيلة عندما صاحب صوت “سميح” زنة موجية صغيرة وهي التي تعبر عن ترددات الصوت التي تُستخدم في السيطرة على المخ وتوجيهه وهو ما يحدث مثلاً عندما يخرج أحدهم بالغناء رغم سوء صوته الذي لا يختلف عليه الجميع إلا أن نوعية الموسيقى المستخدمة تحمل هذه الترددات التي تسيطر عليك بمجرد نفاذها من الأذن واستقبال المخ لها فتجد نفسك مستحسنها ومتعلق بها وترددها وأحياناً يتم ذلك بشكل هيستيري .. أيضاً يحدث من خلال استخدام طبقات صوت معينة بنفس الترددات تُحكِم السيطرة على المتلقي وهو أخطر وأنجح ما تم تقديمه من تفصيلات في صراع “الدجال” ورجاله مع البشر.

رغم التشابك الكبير للأحداث والشخصيات في هذا الجزء ما يجعل صياغته في غاية الصعوبة إلا أنه نجح بشكل كبير بذكاء ومهارة المخرج “أحمد سمير فرج” ملحمياً في فتح بوابات تفضح عالم الشر الشيطاني وسيطرته على الحياة دون أن ندري في صراع قوى الشر مع الخير والإنس عموماً وبالأخص وتحديداً كل من يقترب من طريق الله فهذا عهد الشيطان الذي أخذه على نفسه في إعلان عصيانه وهو ما ساعد في فك طلاسم ما يدور حولنا على جميع النطاقات سواء الشخصية أو المحلية أو العالمية وكشف “المداح” المستور لتبقى الحرب عارية “على عينك يا تاجر” وعليك أنت الآن أن تشاهد وتدقق وتفهم وتستوعب ثم تذاكر جيداً وترى ما يدور حولك بعيني الحقيقة .. لا بعين واحدة.

معركة الوعي هي أهم معركة يشارك في إدارتها بنجاح “حمادة هلال” من خلال مسلسل “المداح” وجاءت الرسالة بصدق لأنه هو نفسه صادق النوايا في رسالته وهدفه الذي يقدم به فنه فيجتهد ويبحث فيما يبقى ويفيد.

أقوى ما في هذا الموسم هو تجسيد “فتحي عبد الوهاب” لشخصية “الدجال” الذي يتجسد في شخصية “دكتور سميح الجلاد” الذي قدمه ببراعة تتخطى حدود العبقرية لدرجة التوحد واقتناعك أنك أمام “الدجال” حقيقة وكأنه قرر أن يقدم لنا “بث تجريبي”.

المعالجة الدرامية لهذا الموسم هي الأصعب على مستوى الدراما بكل أشكالها فالتصدي لهذه المنطقة من الموضوعات تحديداً أمر شاق جداً في تناوله وإيصال الرسالة المطلوبة وكالعادة نجح “أمين جمال” وورشته في الكتابة في تحقيق المعادلة الصعبة بأكبر جهد وطاقة ممكنة لاستجماع تفاصيل دقيقة كبيرة وخطيرة ومعالجتها درامياً للدرجة التي اقتنع الجمهور فعلاً بأنها حقيقة وروج البعض أن بالمسلسل “طلاسم” وأن “ترنيمة الجن” الشهيرة بالأحداث باللهجة الصعيدية نوعاً من أنواع السحر بل روجوا لتحذيرات للجمهور من متابعة المسلسل وهو المضحك المبكي الذي يكشف حجم ونوعية التفكير السطحي الفارغ المنتشر ما يجعل معركة الوعي أكثر صعوبة وشراسة في مواجهة التسوس الفكري نتيجة الجهل الثقافي .. والديني أيضاً!

الحقيقة أن “حماة هلال” مازال يحتفظ لنفسه بمكانته كأنجح مطرب ممثل ويضيف إلى رصيده الرسالة التي يسعى لتحقيق هدفه بها فالعادي أن يضم التاريخ نجوماً حققت إنجازات ونجاحات في مجالهم فالتاريخ مليء بنجوم الفن بكل أنواعه إلا أن الغير عادي ومميز أن يصنع النجم بنفسه التاريخ ويجعل من نفسه بأعماله أرشيفاً لمراجعات وشروح وتفاسير والأبعد من ذلك هو نجاح النجم في إدارة موهبته وإجادته استخدام سلاح القوة الناعمة في أهم معركة في العصر الأحدث .. “معركة الوعي”.

نجح “حمادة هلال” على مدار مشواره في حجز مكانه وسط جمهوره كفرد خالص منهم ومصدر ثقة وصنع نجاحاته الفنية من هذا المكان ولكنه الآن انتقل إلى مرحلة جديدة يصنع فيها التاريخ على مدار 4 أعوام من “المداح” يحقق فيها ضربات متتالية لقوى شر الظلام …

أما هذا العام فيحقق أكبر انتصاراته في “معركة الوعي” ويصنع “حمادة هلال” التاريخ على جثة “الدجال”.