طارق سعد يكتب: العِبرة في مذكرات زوج
من السهل أن تصنع أعملاً فنية من النوعية العائلية أو الأسرية ومن السهل أيضاً أن تختلق أفكاراً عديدة وتتناولها بشكل جذاب وأحياناً تجاري وتحقق بها نجاحاً مُرضياً فالأعمال من هذه النوعية كثيرة ومتنوعة ولكن .. العِبرة في المضمون.
والعبرة في مسلسل “مذكرات زوج” هي نوعية المشكلة المطروحة لصناعة عمل فني متكامل ومكتمل النضوج بعناصر قوية بدأت بالفكرة ثم التناول ثم اختيار أبطالها ليأتي دور الإخراج فتتلقف منه توليفة نجاح بعيدة عن المنافسات الشرسة ويصنع لنفسه مكانه وسط سباق ساخن يحقق به هدفه تماماً.
فكرة الشروخ الزوجية التي تنتج بعد مرور سنوات بسبب استقرار الوضع والاستسلام لرتابة الحياة وعجلتها المتسارعة جزء كبير من مشكلات معظم العلاقات الزوجية وقد تعتبر أصلاً في انهيار معظمها .. ضمان الوجود هو أخطر ما يهاجم العلاقات بشكل عام والعلاقات الزوجية بشكل خاص فالطرف الذي يضمن وجود الطرف الآخر يتصرف بتأثير هذا الضمان فهو لا يرى أخطاء يقع فيها ولا يرى سلبياته فبهذا الضمان يرى فقط أن الحياة تسير في طريقها تلقائياً إجبارياً لن تتعطل ولن تقف وعليه فالطرف الثاني مجبر على التكيف مع أي وضع باعتبار أن القطار منطلق بلا محطات.
المعالجة الرشيقة ذات الإيقاع السريع أحد أهم عوامل النجاح والبُعد عن المثاليات زاد منه فانهيار قدرات الزوج على التحمل دفعته للبحث عن مساعدة خارجية فيلجأ لمعالج من مدربي التنمية البشرية وهو علاج عصري بدأ الكثيرون اللجوء إليه للبُعد عن فكرة العلاج النفسي وقد يكون في الأصل علاجاً نفسياً مستتراً ومن الذكاء تناول أزمة العمل من زاوية جديدة خاصة بعد انتشار هذه النوعية من المعالجين وإلقاء الضوء على هذا النوع من العلاقات الباحثة عن التعافي لتضفي واقعية على الأحداث وتربط المشاهد بها بما يراه ويتعايش معه في الحقيقة ويراجع تفاصيله الشخصية فتدفعه “مذكرات زوج” للتفتيش في مذكراته.
ومن الواقعية والبُعد عن المثالية إظهار هذا المعالج كشخص طبيعي يخطئ ويصيب بل أن حياته الشخصية نفسها وهو نفسه يحتاجان لمن يردهما للطريق السليم وإصلاح ما يصيبهما من عطب لتكتمل الرسالة أو كما نطلق عليها فنياً الـ “مورال” بأن التغيير يأتي من الشخص نفسه وبمساعدة نفسه أولاً وتحديد مشكلته ..
قد يستعين بصديق أو وسيلة مساعدة ولكن يبقى هو معالج نفسه الأول فلا يجب أن يترك القيادة ليد أخرى هي الأخرى قد تحتاج قيادة.
جزء من نجاح الرسالة اختيار أبطالها وأن يأتي الزوج متمثلاً في نجم درامي كـ “طارق لطفي” جاء بمصلحتين للطرفين .. الأول هو “طارق” نفسه فشخصية “رؤوف” ساهمت في تغيير جلده الفني وأظهرت مناطق جديدة لديه في التمثيل خاصة بعد أن تعود عليه المشاهد في شكل وأداء درامي شبه متقارب في أعماله الأخيرة باستثناء دوره كزعيم تنظيم إرهابي في “القاهرة – كابول” وكذلك شيطنته في “جزيرة غمام” فابتعد عن الصراعات ورجال الأعمال والإطار الذي أصبح منذ سنوات مميزاً له في الأعمال الدرامية الاجتماعية خاصة أن “مذكرات زوج” ينتمي لنوعية الـ “لايت كوميدي” وهو البعيد تماماً عن شخصية “طارق لطفي” الجادة الرصينة ولكن الممثل المحترف الذي يملك أدواته يستطيع أن يتلون ويقدم شخصيات من الواقع بأبعادها وهو نجح في تشخيصه كـ “مشخصاتي” محترف والطرف الثاني من المصلحة هي الرسالة نفسها التي وجدت طريقها ممهد وسهل ويسير عن طريق نجم قريب من المشاهد ويحترمه.
أما “عائشة بن أحمد” فأخيراً خرجت من دائرة الأدوار المتوقعة وبدأ الالتفات إليها فيما هو غير متوقع لها فـ “عائشة” صاحبة حضور طاغٍ وهادئ ومحبب لدى المشاهد لا تنزعج بوجودها استطاعت منذ ظهورها الأول أن تنصهر مع المشاهد المصري غير ملتفت لجنسيتها التونسية وهو النجاح الأكبر والأهم الذي حققته “عائشة” صاحبة الملامح البريئة الصافية ولكنك تشعر دائماً بأنها تحتاج لأدوار جديدة من نوعية الصدمة لتكسر به قيود ملامحها وهدوئها ورقتها وهو ما يجعل شخصية “شيرين” بادرة أمل في ذكاء من القائمين على العمل لترشيحها لهذا الدور الغير تقليدي والمهم في نفس الوقت الذي يكمن فيه سر الأزمة فشخصية “شيرين” تحتاج لتفاصيل كثيرة أهمها الصراع النفسي الدائم بين المفروض والطبيعي وبين ما تريده نفسها وترسمه كإطار حياة .. بين اقتناعها الداخلي بالمشكلة وأسبابها وإصرارها الداخلي أيضاً لتبرير تصرفاتها بما يخدم وجهة نظرها وهو ما ظهر واضحاً في أول لقاء بينها وبين “د.طه” المعالج الذي كشف صراعاتها الداخلية بالقلق والتوتر استطاعت من خلاله “عائشة” أن تثبت أنها ليست مجرد أنثى جميلة بملامح طفولية ولكنها ممثلة ذكية ومدركة الفرصة التي جاءتها لتعبر عن نفسها بشكل جديد مختلف مؤكد سيكون له أثر كبير على نوعية أدوارها القادمة والتي ستكون مرحلة صعبة واختبار حقيقي لأنها ستحتاج فيها لتقديم تفاصيل كثيرة تغطي بها على تفاصيل شخصيتها الحقيقية التي حفظها المشاهد وتعود عليها وأعتقد أنها قادرة تماماً على ذلك ولكن الأمر سيتطلب مجهوداً كبيراً وتركيزاً أكبر.
حضور “خالد الصاوي” وحرفيته أعطا ثقلاً كبيراً لشخصية “د.طه” الذي أوصل بمنتهى السلاسة الفكرة تماماً وأكد على نظرية أن “باب النجار مخلَّع” فهو نفسه حياته غير مرتبة أو مستقيمة وتشعر أن هذا المعالج قدي يحتاج في أوقات كثيرة نفسه لمعالج لتصل الرسالة واضحة بأنك قد تلجأ لنصيحة أو وسيلة من متخصص لتخرج من دوامة ما في حياتك ولكن الحل دائماً وأبداً يأتي منك أنت ومن داخلك أنت وفي عدة مشاهد ضاحكة لـ “د.طه” تجدك تردد “كان القرد نفع نفسه”.
الأحداث بسيطة ومنطقية وحقيقية وكشفت كثيراً من أسرار “خراب البيوت” لذلك حقق المسلسل نجاحاً كبيراً لأنه من قلب البيت وهو ما يفتقده المشاهد في كثير من الأعمال .. يفتقد من يشعر به وبمشاكله الحقيقية وهمومه وهو ما ارتكز عليه “مذكرات زوج” بإيقاع رشيق هو نصف نجاحه وهو ما يحسب للسيناريو المتمكن كعادة “محمد سليمان عبد المالك” عن رواية الكاتب “أحمد بهجت” وأيضاً المخرج “أحمد نادي” الذي اهتم بكل التفاصيل وأظهر نجومه في أفضل حالة وأضاء الأدوار الثانية بشكل مبهج وهو ما أدى لتألقهم بشكل لافت على رأسهم الواعدة “جيهان الشماشيرجي” و”هالة مرزوق” و”سارة الشامي” و”حازم إيهاب” ويحسب أيضاً لـ “أروما” الشركة المنتجة اكتفائها ب تقديم 15 حلقة فقط دون تطويل للوصول لختم الـ 30 لتؤكد أن النجاح الحقيقي ليس بعدد الحلقات إنما في المحتوى والمضمون …
لتكن العِبرة في .. “مذكرات زوج”.