طارق سعد يكتب: توبة .. خلطة الحواوشي الساحرة


أقرب ما يصل للجمهور هو ما يخرج من قلب الجمهور والقاعدة الشعبية من الجمهور هي الأكبر والتي تملك سر الجذب .. خلطة بها سحر يجذب جميع الطبقات لمتابعتها والانغماس في أحداثها فالقالب الشعبي دائماً يضمن النجاح بنسب كبرى بشرط تقديمه بالبهارات و”التحبيشة” اللازمة لجذب الزبون بأشهى الخلطات وأشهرها “خلطة الحواوشي”.

أصبح المنتج اللبناني صاحب الهوى المصري “صادق الصباح” ماهراً في تصنيع هذه الخلطة المميزة فحاول تحضيرها في مسلسل “لحم غزال” ولكنها لم تحقق النجاح المتوقع “ما ظبطت- باللبناني” فكرر التجربة في مسلسل “ملوك الجدعنة” بعدما قام بالتركيز في مكونات الخلطة ليحقق نجاحاً مدوياً خارج كل التوقعات خاصة أن العمل كاملاً مصوراً في لبنان ليعود ويعدل في خلطته فيضيفها في مسلسل “أيام” الذي نجح أيضاً بشكل كبير فتلمح أن “الصباح” بذكائه استطاع أن ينفذ من الثغرة الدرامية بعدما سيطرت صورة القصور والفيلات والمنازل الفاخرة على الأعمال الدرامية وافتقد الجمهور الجو الشعبي وتفاصيل حياته فاقتنصها “الصباح – صادق وأنور” وقدم للجمهور ما ينقصه فأصبح خارج المنافسة والصراعات يعمل في منطقة بعيدة نجاحها مضمون حتى أنه وضع من الخلطة الشعبية في “صالون زهرة” لـ “نادين نسيب نجيم” وحقق باللبناني ومذاق مصري لأول مرة أعلى مشاهدات في الوطن العربي.

“توبة” والرهان على خلطة شعبية ربما ليست جديدة في فكرتها وتم تقديمها في أعمال عديدة وقد تشعر أنها امتداد لأجواء “ملوك الجدعنة” بعدما تم إلغاء فكرة تقديم جزء ثانٍ إلا أن ذكاء الصناعة التي يتميز بها “الصباح” غلفت المسلسل بروح جديدة وقدم صراعاته بكل البهارات التي تجذب الجمهور ليحافظ على مركزه في المنافسة الشرسة بموسم رمضان ويحقق نجاحاً كبيراً يلهث الجمهور وراء أحداثه.

أهم عوامل ذكاء الصناعة الفنية لـ “توبة” كانت الحبكة الدرامية والأحداث السريعة المتلاحقة بلا مط أو تطويل .. منطقية الأحداث إلى حد كبير أيضاً عامل مهم في عبور “توبة” إلى منطقة المنافسة أما العامود الرئيسي الذي استندت عليه صناعة العمل هو دقة اختيار أبطاله الموفقين في كل أدوارهم وقدموا مباراة درامية تحسب لاختيار مخرج متميز هو “أحمد صالح” الذي جاء بعد اعتذار زملاء له ليقدم عملاً يليق باسمه وأعماله السابقة.

“عمرو سعد” صاحب الملامح الشعبية والبشرة السمراء والروح القريبة بشدة للقاعدة الشعبية وهي عوامل اجتمعت لتختم جواز مروره منذ بدايته الفنية فـ “عمرو” يقترب كثيراً من ملامح الأسطورة الفنية الراحل “أحمد زكي” وهو ما اختصر له مسافات كثيرة بجانب بصمته الشخصية التي استطاع بها التحليق بعيداً في مساحة خاصة به صنعها لنفسه منذ سنوات ربما يحتاج لتطويرها لكنه حقق نجاحات تحسب له خاصة أنه يمتلك “كاريزما النجم” التي تساعده وتدعم قبوله وقبول أعماله لدى الجمهور وهو ما واصل تحقيقه في “توبة”.

ما قدمه ويقدمه “عمرو سعد” رقم صغير جداً أمام ما يملك من موهبة وسحر يحتاجا منه تمرد وجرأة وإدارة ذكية.
“دياب” صاحب الحضور الطاغي والصوت المميز والأداء القوي القادم من جيل الكبار أمثال “عادل أدهم ومحمود المليجي” أصبح بعد سنوات قليلة من دخوله مجال التمثيل مع الغناء “رمانة ميزان” حقيقية لأي عمل يشارك به وهو ما انتبه له صناع الدراما بعد نجاحاته الكبيرة وقبوله الشعبي والفني منذ ظهوره في مسلسل “ساحرة الجنوب” ومع توالي الأعمال اكتسب “دياب” ثقة وثقل وضعه في مقدمة الاختيارات للأدوار المهمة والمحورية والصعبة في الدراما فـ “دياب” ينتمي أداؤه إلى جيل العظماء بصناعة منطقة بطولة خاصة به مهما كانت مساحة الدور المشارك به في العمل وأصبح وجود “دياب” عامل جذب وثقة وإضافة قوة للمسلسل وهو ما أثبته باحتراف “إبراهيم الدباح” الذي تحتار بين كرهه وحبك له فمنطقة الشرير المحبوب خفيف الظل هي الأصعب على الإطلاق وتحتاج إلى إمكانيات ممثل من طراز خاص تتوافر كاملة أصلية بضمان مفتوح في “دياب” الذي امتلك منطقة فنية يصعب منافسته فيها وترفع أسهمه العمل وراء الآخر بشكل متسارع حتى أصبح “دياب” سهماً مضموناً في بورصة النجوم.

“ماجد المصري” منذ تقديمه لشخصية “سيف الحديدي” في مسلسل “آدم” في 2011 وتم اكتشاف بئر شر بداخله يسيطر به على الشاشة لدرجة مرعبة للمشاهد خارج سياق الأحداث .. “ماجد” أصبح محترفاً ومتخصصاً في تقديم أدوار الشر الحادة لدرجة تجعلك تتوحد معه دون تفرقة بين الواقع والتمثيل وهي قدرات “ماجد” التي صنعت منه في أدواره باقتدار طاقة شر متحركة على الأرض داخل العمل ترفع من سخونة الأحداث وتزيد الخلطة “سبايسي”.

“أسماء أبو اليزيد” بملامحها المصرية الخالصة والبريئة تسكن القلب بلا استئذان وتتعقد متابعتك لها على الشاشة فلا تستطيع إدارة وجهك طوال طلتها خاصة أنها تؤدي بتعبيرات وجهها بكل تفاصيله .. “أسماء” معجونة بالموهبة ويلتبسها عفريت التمثيل أمام الكاميرا ولكنها مازالت تختزن الكثير يفوق ما تقدمه لم يخرج بعد وينتظر من أدوار الصدمة ما لم يأت حتى الآن.

“إنتصار” مازالت تتعملق فنياً منذ إعادة اكتشافها في مسلسل “ذات” فنفضت عباءة الكوميديا وارتدت عباءة التشخيص والتي كشفت عن إمكانيات فنية منتهى القوة أعادت تقديمها للساحة بشكل جديد أضاف لها الكثير بما أضافته للدراما وأصبحت “إنتصار” في السنوات الأخيرة مصدر ثقة بوجودها في العمل بحسن اختيارها واحترامها لموهبتها وجمهورها.

“صبا مبارك” تمتلك قوة حضور لا تتكرر كثيراً تملأ الشاشة فور ظهورها متمكنة في توظيف أدواتها إضافة لأسلوبها المميز في الإلقاء والتعبير وهو ما يجعل من “صبا” ورقة رابحة دائماً لا تخسر أبداً فهي من نوعية الممثلات التي ليس من السهل الوقوف أمامها فكل مشاهدها تقود فيها مبارزة في الأداء تحتاج مبارز قوي وهو ما يرفع من جودة تلك المشاهد ويثقل من اسمها وأيضاً يثير الدهشة والاستغراب ويدفعك لتساؤل وجودي .. لماذا لا تتواجد “صبا” على الساحة بشكل مكثف وما سر اختفاؤها الدائم ومن المسئول عنه؟!

“رحاب الجمل” تتألق في الأدوار الشعبية وتقدمها بمنتهى البراعة رغم حصرها في قوالب نمطية إلا أن “رحاب” دائماً تستطيع الخروج لمنطقة آمنة تترك بصمة مميزة لا تغيب عن الأذهان.

“رباب ممتاز” ممثلة متوحشة تملك إمكانيات تؤهلها لأبعد بكثير من النقطة التي تقف عندها .. تعمل في صمت وصنعت منطقة خاصة بها تؤدي فيها بأريحية كاملة دون مزاحمة وتضيف لما تقدمه من أدوار وتثبت في كل ظهور لها أنها طاقة كبيرة مازالت لم تكتشف بعد .. فقط تحتاج إعادة اكتشاف ومساحات أدوار كبيرة ومهمة.

“محمد لطفي” دائماً ما يعطي مذاقاً خاصاً فهو لون منفرد ومميز .. خلطة خاصة داخل الخلطة الكبرى ووجوده دائماً إضافة مهما كان حجم الدور أو مساحته أو أهميته فهو مكسب لأي عمل يشارك فيه ومكسب أيضاً للجمهور الذي يشاهد هذا العمل.

“ضياء عبد الخالق” نجم بكل ما تحمله الكلمة من ثقل ومعان ولكن للأسف لم يتم تقدير قوته الفنية حتى الآن بالشكل اللائق.

خلطة “توبة” الشعبية تحمل عنوان ذكاء الصناعة التي عرفت أن “رغيف الحواوشي” ساحر وأكلة رائجة ومضمونة “مفيش محل حواوشي بيخسر” وهو ما استحوذ عليه “الصباح” مدركاً سر الصنعة وقدم “توبة” بخلطة الحواوشي الساحرة.