تبرعوا للـ “فستك” الإعلاني!


تبرعوا للـ “فستك” الإعلاني!

طارق سعد

 

 

السيد/ “فلان الفلاني” المسؤول في الجهة الحامية “علانة العلانية”

 

تحية طيبة وبعد ….

 

أتقدم إليكم أنا المشاهد البريء الذي تحمل فوق طاقته من تضليل وتدليس الحملات الإعلانية من كل اتجاه ببلاغي هذا بعدما تجاوزت الأمور الإعلانات التجارية والتي يعتبر أصحابها أن الـ “فهلوة” متنفسها الرئيسي وانتقلت إلى الإعلانات الخيرية والإنسانية التى اختار بعض أصحابها وبكامل إرادتهم أن تكون إعلاناتهم “فستك” وهو المصطلح الشعبي الشائع الذى يعبر عن الشئ “المضروب” الفاسد واستخدام كل الطرق الممكنة فقط للحصول على الـ “معلوم” من جيب الـ “زبون” مشاهد هذه الحملات!

 

دائماً ما تلعب هذه النوعية من الحملات على أوتار المشاعر الإنسانية بـ “استدرار عطف مشروع” لزيادة مواردها من التبرعات عن طريق عرض حالات تعانى من مرض معين يحتاج مشوارًا من العلاج ومتطلباته أو حالات شفت فعلاً بفضل تبرعات سابقة ساعدت في ذلك فتستنفر حماسك لمواصلة المشوار الناجح للمؤسسة صاحبة الإعلان وتذهب للتبرع لها أو على الأقل تتمنى ذلك ولكن .. أحياناً الاستسهال والـ “فهلوة” يتسللان لهذا الطريق فى إحساس بالنجاح المضمون للغرض المطلوب فتأتي لك الصدمة من حيث لا تحتسب.

 

هذا ما أقدم عليه صاحب فكرة إعلان “مستشفى الأطفال 57” عندما قرر إظهار حالات شفت من المرض بفضل “جنيه تبرُع” بشكل مسرحي يحكي فيه كل منهم تجربته مع المرض وكيف كان منتهياً ثم عاد بفضل هذه المؤسسة إلى الحياة مرة أخرى معافى تماماً وهو ما يعني أننا أمام عملاً كبيراً ومجهوداً خارقاً يستحق التقدير والمساندة فيتعاطف الجمهور مع تلك الحالات من أدائهم بشكل كبير بعد أن دغدغت مشاعرهم تجربتهم وحكاياتهم من المرض للشفاء وأنت تراهم أمامك بكامل صحتهم وعافيتهم ونشاطهم وقوتهم مما يرفع مؤشر تفاؤلك وسعادتك إلى الحد الأقصى لتفاجأ بعدها بالصدمة الكبرى أن كل ما شاهدته وتلاعب بمشاعرك كان “تمثيلاً” خالصاً فالمسؤول عن هذا الإعلان قرر الاستيلاء على تعاطفك بمجموعة من الممثلين الشباب أتى بهم للقيام بأدوار مرضى متعافين ولأن الاستسهال أسلوب وأراد الله ربما بغضبه فضح الأمر لم ينتبه هذا المستسهل أن من هؤلاء الشباب من ظهر فى أحد المسلسلات التي تنافس على أعلى مشاهدة والمعروضة في نفس الوقت في رمضان ويضع القدر الإعلان “التمثيلي” أحد الفواصل الإعلانية للمسلسل ليكشف واقعة “فساد مهني” مكتملة الأركان فيتحول التعاطف لحملة غضب شديدة ضد الإعلان والمؤسسة نفسها.

 

فكرة حمقاء تسببت في تدمير مصداقية مؤسسة علاجية يشهد لصرحها العالم ويتحدث عنها فرد فعل الجمهور كان قاسياً بعدما تأكد من التدليس والنصب عليه بدعوى الخير وبنى قناعة أن كل ما قُدم له ويقدم وما سيقدم مستقبلاً ما هو إلا طُعم لاصطياد ما في جيوبه ولم تتوقف هذه القناعة عند تلك المؤسسة فقط بل تجاوزتها لباقى المؤسسات طالما تقدم حملة للتبرعات نتيجة لتلك الفعلة الحمقاء التي تسببت في فقدان الثقة التي سيترتب عليها إحجام الجمهور عن التبرع لها وهو ما بدأ يشاع بكل أسف بعد شعوره بالاستغفال!

 

ولأن المصائب لا تأتي فرادى تتزامن هذه الواقعة المخزية مع الاتهامات التي كالها الكاتب الكبير “وحيد حامد” لإدارة تلك المؤسسة باحثاً بها عن أوجه التصرف في سلسلة التبرعات الضخمة الموردة لخزينتها  ومخصصات صرفها فيشتبك مع الإدارة في تراشقات قانونية لينهال التراب على رأس هذه المؤسسة فيدعم قطاع كبير جداً من الجمهور تساؤلات الكاتب “وحيد حامد” مستشهداً بموقعة الـ “فستك” الإعلاني التي فُقدت فيها الثقة بفعل فاعل غير مسؤول.

 

ليس هناك من فقد عقله ويطالب بقطع التبرعات عن مستشفى الأطفال أو غيرها من المؤسسات العلاجية التي تعالج الأمراض الخطيرة أو غير القادرين وأن يتحمل ذنب هؤلاء بسبب حماقة إعلانية أو إدارية مثلاً ولكن … في أوروبا والدول المتقدمة وفي وقائع مماثلة يطال العقاب كل المسؤولين عن تلك المهزلة ومررتها موافقاتهم على محتواها سواء المسؤول عن فكرة الإعلان ووقفه عن مزاولة المهنة لفترة زمنية مناسبة أو المسؤول عن التصريح بتنفيذها وربما قُدموا جميعاً للمحاكمة بتهمة النصب والتضليل والتدليس وأيضاً تشويه سمعة المؤسسة العلاجية والتأثير على فرص المرضى في حق العلاج عن طريق التكاتف والتكافل الاجتماعي.

 

بُعداً آخر لم يشعر به القائمون على الإعلان في استسهالهم بهذا الإعلان الـ “فستك” أنهم أعطوا انطباعاً بعدم وجود ناجين من هذا المرض تحت سقف هذه المؤسسة وإلا أين الحالات الحقيقية التي كانت الأجدر والأولى أن يمثلوا أنفسهم بتجربتهم الحقيقية والتي ستكون مهما إن كانت أكثر مصداقية وواقعية رواية وأداءً؟!

 

الفشل الذي حققه صاحب هذه الفكرة هو في الحقيقة فشل من نوع جديد وخاص وأكبر بكثير من الفشل المتعارف عليه فالحقيقة أنه فشل في الفشل نفسه … فشل حتى في أن يفشل!

 

“الطريق إلى جهنم مفروشاً ومزيناً بحسن النوايا” ولكن بالنوايا وحدها لا تستقيم الأمور فالمهنية هي العصب الرئيسي للأفعال والمحاسبة على الفعل أمر واقع ضروري والأهم الآن والعاجل هو إنقاذ سمعة المؤسسات المعتمدة على التبرعات بعد هذا الدمار الشامل الذي طالها بسبب حماقة إعلانية … فمن يستطيع ومن يفعلها؟

 

“تبرعوا للـ فستك الإعلاني” أصبحت الصورة العامة التي صدرتها فكرة مخزية دمرت في ثوانٍ مجهود وبناء سنوات طويلة …. فهل من منقذ؟

 

أيها السادة ……… حاسبوهم قبل أن تحاسبوا.