طارق سعد يكتب: ثُريا التي أحبطت عملية اغتيال إلهام شاهين


لكل شخص أعداء وكارهين تزيد حدتهم لو كان ناجحاً وتفجُر خصومتهم لو كان شخصية عامة وعند النجاح يقوم الشر بدور البطولة!

لا يستطيع أحد إنكار تاريخ فني كبير صنعته النجمة “إلهام شاهين” على مدى مشوار طويل منذ نعومة أظافرها الفنية وكم النجاحات التي حققتها على مستوى السينما والدراما ومشاركاتها المسرحية أيضاً ما جعلها حالة خاصة في الأرشيف الفني لم تستطع أي ممثلة منافستها بطول عمرها الفني ولا أن تقترب من منطقتها التمثيلية حتى الآن.

ظلم كبير تواجهه “إلهام شاهين” بحصر اسمها في أنوثتها وهو ما يردده بعض الجهلاء من القطيع بلا فهم ولا وعي فبالرغم من بعض نوعيات الأدوار التي قدمتها “إلهام” كممثلة تتقن أدوارها إلا أن التقييم الفني لها كممثلة تجيد عملية التمثيل يضعها دائماً على القمة حتى ولو توارت سنوات وقل إنتاجها الفني لكن اسمها دائماً يحجز مكانه في الصفوف الأولى مستنداً على ظهير قوي من نجاحات مشوار طويل.

تعرضت “إلهام شاهين” لعملية اغتيال ممنهجة بالتصفية المعنوية أثناء اختطاف مصر بحكم الظلام من الجماعة الإرهابية وذلك رداً على مواقفها المناهضة لسياساتهم الإرهابية ومتاجراتهم بالدين فأصبحت في مرمى نيران أسلحتهم التي لا تعرف الدين ولا رب هذا الدين وكان التشويه والخوض في العرض من خلال كتائبهم الإلكترونية وأيضاً من بعض الوجوه العفنة التي كانت تمثلهم وهو ما حول “إلهام” من مبدعة إلى ضحية مستباحة النهش من القاصي والداني.

خاضت “إلهام شاهين” – وما زالت – معارك كثيرة ضارية في هذا الإطار منها القانوني ومنها الشخصي لكن دائماً ومع تعدد معارك الفنان تظل معركته الأولى والأهم هي معركته الفنية وسلاحه هو فنه وموهبته وأداؤه وهو ما استطاعت “إلهام شاهين” بكل قوتها الرد من خلاله بسلاحها الذي تملكه بحرفية وتجيد استخدامه باحتراف.

“ثُريا” الشخصية التي قدمتها في حكاية “الفريدو” الحكاية الأولى بمسلسل ” 55 مشكلة حب – عن كتاب مصطفى محمود” استطاعت أن تضع “إلهام شاهين” على القمة من جديد بل أعادت صياغتها على الساحة الفنية بما يناسب تاريخها الفني كنجمة لسنوات طويلة.
أداء “إلهام” لشخصية “ثريا” أو كما ينادونها “سوسو” بكل تفاصيلها في معاناتها مع مرض الزهايمر وتجسيدها للحظاتها المتضاربة بين التذكر والنسيان والشرود والتشوش والمكابرة أحياناً حتى لا تشعر أنها تنسى هو أداء يحتاج للدراسة والتدريس أيضاً فقدرتها على الإمساك بكل هذه الخيوط في قبضة واحدة والتنقل بين كل هذه الأحاسيس وردود أفعالها بمنتهى السلاسة والليونة بابتسامة براءة مصاحبة وجهها طوال الأحداث دون مبالغات ولا إسراف في المعاناة وتعايشها مع الحالة لدرجة التوحد معها جعل المشاهد ينسى أنه أمام “إلهام” ويتفاعل مع “سوسو” ويشفق عليها ويتعاطف معها سواء في تعاملات أولاد أخيها معها بعد تضحيتها بحياتها وزواجها من أجل تربيتهم أو في علاقتها مع الأخ الأكبر لهم “فريد” الذي قدمه بإتقان “أحمد فهمي” عضو فريق واما بعاطفة كبيرة وحنان شديد جعل من ارتباطهما ببعضهما حالة خاصة في الأحداث انعكست على الجمهور الذي ارتبط بنفس الحالة مع “سوسو” وسيطرت على مشاعره وعواطفه وأحاسيسه.

يبقى مشهد رحيل “سوسو” ومنازعتها لخروج الروح بتفاصيله الدقيقة هو أقوى ما قدمته “إلهام شاهين” في حياتها والأقسى أيضاً فبكى من أجلها ملايين المشاهدين وهو مشهد على قدر ما به من وجع وألم نفسي رهيب لمن يشاهده إلا أنه يؤكد أنه لم يكن يحتاج لمجرد ممثلة عادية ولكن لنجمة من الصفوف الأولى لعتاولة التمثيل لتنتصر”إلهام” وتثأر لنفسها ولفنها.

حكاية “الفريدو” نجحت في إعادة تقديم “إلهام شاهين” وإمكاناتها التمثيلية بشكل مناسب لتغيرات الساحة الفنية والمرحلة العمرية وأثبتت أنك أمام نجمة كبيرة بالرغم من كل ما قدمته لسنوات طويلة وفي الوقت الذي تصارع فيه عمليات اغتيالها وتصفيتها معنوياً إلا أنها مازالت تملك الكثير لم تقدمه حتى الآن وهو ما يعود لكتابة قوية “عمرو محمود يس” وإخراج متميز “عصام نصار” ويجعلك متفائلاً بعودة نجمة مهمة من صفوف الكبار إلى الساحة من جديد بعد “إعادة ضبط الإعدادات”.

علينا أن نحافظ على نجومنا الكبار ونمنحهم التقدير اللائق ونحصنهم ضد محاولات الاغتيال والتصفية المعنوية لخدمة أغراض شخصية أو أيدلوجية لا أن ينجر خلفها البعض كالقطيع.

قدمت “إلهام” سلسال من النجاحات بشخصيات عديدة ومؤثرة بطول مشوارها الفني صنعت تاريخها ولكن …

ستظل مدينة لـ “ثُريا” التي أحبطت عملية اغتيال “إلهام شاهين”.