طارق سعد يكتب: دياب .. مايسترو الأداء الشعبي


طارق سعد يكتب: دياب .. مايسترو الأداء الشعبي

يخطئ قطاع كبير من المجتمع في تعريفه للـ “شعبي” فيضعه دائماً في الدرجة الأقل ويلصق به كل ما هو تحت المستوى وهي نظرة ضيقة محدودة وسطحية تليق بأصحابها فالتعريف الصحيح للـ “شعبي” هو كل ما يأتي من الشعب ويستقبله الشعب أيضاً معبراً عنه في كل تفاصيله وهمومه وأفكاره ولغة حواره في الإطار المسموح المتوازن بما يتناسق مع رجل الشارع العادي وسيدته فيشعرون معه بالألفة والقرب وعدم الغربة.

نجوم كثيرة يحملون لقب الشعبي بفخر أضاف إليهم وأثقلوه ففي التمثيل من العمالقة ممن أجاده كان “فريد شوقي – محمود المليجي – أحمد زكي – صلاح السعدني” ومن الغناء “محمد رشدي – عدوية – محمد العزبي – حكيم” وغيرهم ممن أدوا أدوارهم في أماكنهم بالتفاصيل الشعبية فأصبحوا نجوم الشارع الأوائل.

ربما يكون الغناء الأكثر عرضة للتصنيف الشعبي ومحاولات الاستحداث فيه خاصة في الطفرات الجديدة التي قادها بموهبة فطرية “دياب” الذي أثبت منذ أول ظهور له بصوته قبل تصوير الأغنية “غمازات” أنه “شعبي كتالوج” فبمجرد أن تسمعه تألفه وتشعر به كأحد من أفراد العائلة وعندما تراه بعينيك لا تخطئه أن به شيء منك قد لا تلمسه ولكنك متأكد من ذلك فجواز مرور “دياب” هو أنه “شبه الناس”.

النجاح قد يكون صدفة أو لعوامل مساعدة هيأته لكن الاستمرار سره في التفاصيل والتي يقودها ذكاء الفنان وكيف يدير نفسه ويقدمها لجمهوره وهو ما نجح فيه “دياب” لسنوات تخطت الغناء واستقرت في التمثيل الذي كان أساس نجاحه هو نفسه أنه “شبه الناس” وهو ما ترك “دياب” له نفسه ليختصر مسافات كبيرة بينه وبين الجمهور وبين النجاح أيضاً فكان الأساس الذي يتحرك فوقه بثبات دون تكلف وهو ما أوصله بسرعة ليتربع في قلب جمهور كبير بكل بساطة “ارتاح” لـ “دياب” فاستراح معه.

ما قدمه “دياب” في مسلسل “تحت الوصاية” في تفاصيل شخصية “صالح” أعطى ثقلاً كبيراً للعمل وصنع منه رمانة الميزان فاقتسم الوهج مع “منى زكي” بطلة المسلسل ليحقق المتعة الدرامية المحببة للجمهور من خلال المباراة التمثيلية التي يعشقها وأساس اجتذابه لمشاهدة أي عمل .. وبالتشابك مع كل أدوار “دياب” السابقة بمختلف ألوانها تجد عاملاً مشتركاً تكتشف أنه سر نجاحه بهذا الشكل الذي جعل منه “وتد” في أي عمل يرغب صناعه في إضافة ثقل فني فيه فما يميز “دياب” أنه يعبر بشكله الخارجي تعبيراً صحيحاً عن تفاصيل شخصياته في كل الأدوار بشكل يتناغم مع عين الجمهور التي لا تخطئ التفاصيل خاصة المهم منها والذي قد يكون مثار جدل في بعض الأحيان فالشكل الخارجي للممثل جزء أساسي من عملية التمثيل التي يعبر بها وتصل بها الشخصية للمشاهد وهو ما يقع في فخه للأسف كثير ممن يصنفون نجوماً.

اهتمام “دياب” بشكل الشخصية على حساب هيئته الحقيقية هي سر تميزه وراحة الجمهور معه فالذكاء أن تقدم تفاصيل شخصية ملعوبة وليست تفاصيلك أنت الشخصية وهو الدرس الذي يعطيه “دياب” لكثيرين يهتمون بأناقتهم الزائدة وتنمقهم وثبات هذا الغلاف على مدار الأحداث فلا يهم أن يخرج من حادث مثلاً أو يدور في الشوارع لأيام أو مطارد وكل ما يستحيل معه ثبات المظهر بكامل أناقته و “فورمة” الشعر والحذاء اللامع ووجه غاية النضارة حتى أنك في أصعب هذه العينة من المواقف قد تشتم رائحة عطر الفنان تخرج من الشاشة في ضرب لكل المنطق والعقل والعلم وهو ما يصنع حاجزاً كبيراً بين هذه النوعية من الفنانين وبين المشاهد الذي يصنع منهم أيقونات للسخرية في الوقت الذي اختار فيه “دياب” طريق الواقعية فتراه في مشاهد بملابس بسيطة وشعر مجعد غير مهندم وذقن غير مهذبة فكما نقول “الشخصية عايزة كده” ولا يؤرقه تماماً صورته الحقيقية فهو المحترف الذي يعلم تماماً كيف يقدم تفاصيله ويعلم أيضاً أن الجمهور ينتظر منه هذه التفاصيل أما “دياب” الحقيقي فيمكن أن يستمتع به في لقاءات مصورة أو حفلاته الغنائية وباستحضار صورة “حسن أرابيسك” للعبقري “صلاح السعدني” مثلاً أو “مستر كاراتيه” لأسطورة التشخيص “أحمد زكي” ستجد ما يُقدَّم من قلب الشارع من قلب الحدث بكل تفاصيله ليصبح بطلاً شعبياً بحرفية المعنى وهو اختيار الكبار.

ما يقدمه “دياب” منذ بدأ الغناء وفي احترافه التمثيل يجبرك على احترامه والتصفيق له مع كل ظهور لأنك أيقنت أنك أمام فنان محترف يبحث عن المتعة في الفن ويحترمك كمشاهد في ذلك .. اختار “سكة الشعبي” لأنها تمثله وهي الأقرب للناس .. تخصص فيها غناءً بشكل متطور وصبغ بها نفسه تمثيلاً ليحجز مكانه ثابتاً لدى الجمهور مبني على الثقة المتبادلة ورهاناً رابحاً مضموناً و “الكارت الكسبان” دائماً عند صناع الأعمال الفنية.

يتنقل “دياب” بسلاسة بين الغناء والتمثيل محققاً المعادلة الصعبة بنجاحات كبيرة ليبقى من النجوم القلائل التي يجمع عليها الجمهور لشعوره أنه بأدائه منهم …

ويبقى “دياب” .. مايسترو الأداء الشعبي.