طارق سعد يكتب: “هنا ترقد شيرين”


هنا ترقد شيرين

طارق سعد

 

محظوظ من يمتلك الموهبة وأكثر حظاً من تقذف به هذه الموهبة إلى القمة فيجمع كل المكاسب في وقت واحد ولكن غير محظوظ بالمرة من يخسر كل شيء بكامل موهبته ونجوميته وآثم ومذنب من يفرط في كل ذلك ويدفع بنفسه من القمة لينزلق بقوة دون حتى أية محاولة لإنقاذ نفسه.

 

هذا باختصار هو وضع “شيرين” التي وصلت بصوتها المميز المتفرد والخارج عن أية مقارنة وإحساسها القادر على جذبك بقوة مغناطيسية ضخمة أياً كانت المسافة وأينما كنت إلى أن تكون واحدة من أهم الأصوات على مستوى الوطن العربي وحققت ما يصعب على مطربة أخرى تحقيقه وأصبح فى الغناء منطقة خاصة محجوزة دائماً باسم “شيرين” فمهما تعالت الأمواج يعتليها مركب “شيرين” المنطلق المحصن بصوت وإحساس وأداء لا مثيل له إلا أن هذا المركب حدث به ثقب ازداد اتساعاً حتى غرق بها!

 

الحقيقة أن “شيرين” لم تلتفت لكل ذلك ولا لهذا الثقب وسببه فلم تعر اهتمامها لأي شيء والحقيقة أيضاً أن هذا الثقب الذي خرق مركب “شيرين” الغنائي هو ابتعادها عن منتجها ومكتشفها ومغلف موهبتها “نصر محروس” الذي استطاع أن يصل بها ويضعها في منطقة بعيدة عن كل المنافسين مطربين قبل مطربات فتفردت وأصبحت “شيرين” حتى دبت الخلافات وخرجت من عباءته وكأن “نصر” يملك شفرتها فلم تحقق بعيداً عنه نصف ما حققته معه وهو ما كشف الفرق بين نوعيات اختيارات “شيرين” وخبرة وحنكة اختيارات “نصر محروس”.

 

انشغلت “شيرين” بمعارك جانبية ليس لها منها أي طائل سوى تعطيل مسيرتها وتشويش اختياراتها وبوصلتها حتى ضلت طريقها وبدأت شجرتها الغنائية المثمرة التي زرعها “نصر محروس” تتساقط أوراقها الواحدة تلو الأخرى والمحزن أن هذا التساقط يحدث في أوج مواسم ازدهارها رغم أنها تملك كل مقومات الازدهار!

 

أصبحت صورة “شيرين” نفسها فى أعين وذاكرة جمهورها مشوشة بين مشكلاتها المتعددة وبين أغنياتها الرائعة وبين أعمال فنية مخيبة للآمال فاختفت الثقة في “شيرين” وأصبح يترقب ما تقدمه بحذر ليتأكد من الواضح وضوح الشمس أن جمهورها يهتم بها ويخاف عليها بإحساسه أكثر من إحساسها تجاه نفسها!

 

الواقع أن هذا تأكد في ألبومها الأخير “نساي” الذي عادت به “شيرين” بعد غياب 4 سنوات لتطلقه قذيفة صادمة فتصيبك إصابات بالغة من الذهول والدهشة وأنت تبحث فيه عن “شيرين” وتفتش عنها ولكنك للأسف لا تجدها .. فقط شبح لمطربة مؤكد أنها تملك أكثر بكثير مما تقدمه وهو ما يصيبك أيضاً بالحسرة لما وصلت إليه فأنت هنا لا تحتاج تحليلاً فنياً تفصيلياً للألبوم فالمستمع لا يسعى وراء ذلك ولكنه يحكم بإحساسه ويقيم به فهذا هو الجمهور الذي وجد مطربته المبدعة تقدم له أغنية الألبوم الذي يحمل نفس الاسم “نساي” كدعاية لصدوره مكتشفاً أنها من نفس أغنية “طول عمري” التي قدمتها “نوال الزغبي” عام 2001 في ألبوم يحمل نفس الاسم ألحان عمرو مصطفى وتوزيع حميد الشاعري وهي مأخوذة في الأصل من المعزوفة الموسيقية الكولومبية (Cumbia no frills faster- Kevin MacLeod )

مع “سينيو” أغنية “شحات الغرام” .. “اسرح ـ لله لله .. روَّح ـ لله لله” ثم يصطدم بباقي الألبوم الذي تقدم فيه 11 أغنية أخرى لا تختطفك ولا تجد نفسك تصفق لأي منها ولا تجد فرقاً كبيراً في موسيقى تدور كلها في نفس الفلك وكأن هناك من أحضر لـ “شيرين” قماشة موسيقية كبيرة لتفصل منها كل الأثواب دون إبداع!

 

صدمة أخرى أكبر كانت في طريقة أداء “شيرين” والتي خرجت باهتة لأقصى درجة فمعظم الأغنيات تشعر فيها وكأنك تجلس بجانبها وهي “تدندن” فقط لا غير لتشعر بخيبة أمل كبيرة تدفعك لأن تدندن أنت أغنياتها القديمة لتتذكر “شيرين” التي تستمع لألبومها فقط على موقع الـ “يوتيوب” بسبب مشكلتها القانونية بعدم التزامها بعقدها مع شركة الإنتاج السابقة وامتناعها عن تسديد مستحقات الشركة لديها بعدما امتنعت عن التعاون معها لتتخذ هذه الشركة إجراءاتها بوقف تصاريح طرح الألبوم في الأسواق فى سابقة ستسجل باسم “شيرين”!

 

الحقيقة أن آخر ألبوم متكامل قدمته “شيرين” كان “عايزة أعيش – 2005” وهو آخر ألبوماتها مع صانع النجوم “نصر محروس” خرجت بعدها لتعمل 13 عاماً “بدماغها” واختياراتها فكشفت الفجوة الكبيرة في صناعة ألبوماتها التي لا يتذكر معظم جمهورها أسمائها ولا الأغنيات التي ضمتها لتدفع ثمن عندها ومشكلاتها المتعددة وفتح الجبهات في كل الجهات لتقدم “شيرين” أسوأ نموذج في إدارة الموهبة والنجومية.

 

من يحب “شيرين” فعلاً ينصحها ويواجهها بأخطائها وخطاياها في حق نفسها وموهبتها ويذكرها بأنها كانت جوهرة الغناء السمراء لا أن يتركها تصم أذنيها لغير “التطبيل والتزمير” حتى وصلت لهذا الحال فلابد أن تستفيق لمستقبلها الفني ومستوى ما ستتركه في أرشيفها الغنائي  بعد 15 عاماً قدمت خلالها 7 ألبومات فقط  وأضعافها صراعات ومشكلات لأن التاريخ “مش نساي”.

 

“مشاعر” … أغنية تتر مسلسل “حكاية حياة” في 2013 التي تخطت فيها “شيرين” سقف الإبداع الطبيعي مع الملحن “محمد رحيم” لتختتم بها إبداعاتها الغنائية وتنتهي بعدها “إكلينيكياً” وتظل على أجهزة التنفس الغنائي 5 سنوات كاملة ليأتى ألبوم “نساي” وينزعها عنها فيتحول ألبوم “نساي” لمقبرة للأغنيات التي يحويها ليستحق وعن جدارة أن يُكتب فوقه …. ” هنا ترقد شيرين”.