مناورة إفلاس هنيدي


بقلم طارق سعد

فى عالم البيزنس غالباً ما يلجأ رجال الأعمال المتعثرون لإنقاذ أنفسهم من الديون المتراكمة عليهم ومطالبات أصحابها باستخدام حيل مختلفة أشهرها “إشهار الإفلاس” ليؤكد انه لم يعد قادراً على العطاء وتوقف ليعود إلى نقطة الصفر مستكيناً فيضطر أصحاب الديون أمام ذلك للاستسلام وإعدام تلك الديون وعليه سيكون مضطراً للتوقف عن ممارسة نشاطه مقابل التخلص من ثقل وأحمال تلك الديون.

 

ولأن الوسط الفنى مبنى أساساً على الـ “بيزنس” حتى فى علاقات الفنان بجمهوره فيبدو أن “محمد هنيدى” قرر استخدام نفس الأدوات لمحاولة الهروب من مأزق الديون التى يطالبه بها جمهوره ولكن هنا الديون مختلفة فـ “هنيدى” أصبح مديوناً لجمهوره بكوميديته الغائبة عنهم منذ سنوات  للدرجة التى أصبح بها “متعثراً” فلم يعد يستطيع الوفاء بإلتزماته وعهوده الفنية تجاه جمهوره الذى أصابته خيبة الأمل من مشاريع “هنيدى” الفنية المتعثرة على مدار السنوات الأخيرة.

 

“هنيدى” قرر فجأة القفز من مركب التعثر و”إشهار إفلاسه” ليؤكد لجمهوره أنه لم يعد يملك جديد يقدمه ولم يعد لديه ما يسدد به ديونه من “الضحكات” لجمهوره إلا بالعودة للخلف أو بالأصح لـ “خلف .. خلف الدهشورى خلف”!!

 

فاجأ “هنيدى” جمهوره بنيته لتقديم جزء ثان من فيلمه الأكبر نجاحاً وبداية بطولاته “صعيدى فى الجامعة الأمريكية” والذى قدمه عام 1998 ببُعد زمنى يقترب من 20 عاماً قدم فيها مشواراً طويلاً من الأعمال الفنية حقق بها نجاحات كبيرة وتربع على عرش الكوميديا الحديثة ولكن مع طول المشوار ظهر عليه حالة من التشبع والاستسلام لأدواته أدت لانخفاض المنحنى وترنح “هنيدى” وخروجه من المنافسة تدريجياً حتى كانت الصدمة فى فيلمه الأخير “عنتر بن بن بن شداد” والذى حاول فيه “إستطوال” الاسم كما فعلها فى “رمضان مبروك أبو العلمين حمودة” ظناً منه أنها تميمة الحظ التى ستجلب له النجاح وللأسف خرج اسماً بلا مضمون ليختفى “هنيدى” هذه المرة تماماً من المنافسة ومؤكد قد ضربته الصدمة كما ضربت جمهوره فى مقتل!

 

حسابات “هنيدى” هذه المرة اختلفت نتيجة لشعوره بخطورة الوضع الذى أصبح فيه فـ “هنيدى” الذى كان متربعاً على عرش الإيرادات وتزحف الجماهير إلى السينما لمشاهدته يصبح ترتيبه فى “ذيل” قائمة الإيرادات ليتأكد أن أسلحته قد سقطت منه فى ساحة شديدة المنافسة ولا ترحم ليتعقد موقف “هنيدى” تماماً هذه المرة بعد الهجوم الذى طاله ويكتشف انسحاب الجماهير من حوله فيحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه فلا يجد مغامرة جديدة يقدمها خوفاً من الخسارة والتى قد تكون هذه المرة بـ “فورة” فيستدعى من الذاكرة بدايته التى تعلق بها الجمهور بضحكة مضمونة يعرفها ويعرف تفاصيلها ليعود إليه من جديد متنازلاً عن مطالبته بتقديم عمل كوميدى جديد بمواصفات تليق به فى ظل حالة التعثر التى يمر بها و”إشهار إفلاسه” رسمياً عن تقديم اى جديد.

 

 

من يراقب “هنيدى” فى السنوات الأخيرة وبأقل مجهود سيكتشف أنه استسلم لأسلوبه وطريقته دون اى تطوير وأصبحت كل الشخصيات التى يقدمها فى مختلف أعماله هى “هنيدى” وهو ما أثر بالتأكيد على جودتها واستقبال الجمهور لها وهو الأمر غير المفهوم فى ظل المنافسة الشديدة التى يواجهها ليصدر إليك إحساساً أنه فقد متعة التمثيل وأصبح مجرد عمله الواجب عليه تقديمه بلا مجهود ولا إبداع يليق باسمه ومشواره وتعبه للوصول لهذه المكانة ويعيد إنتاج تجربة زميله “أحمد آدم” الذى أصبح فقط “قرموطى”!

 

قد يكون “هنيدى” استدعى “خلف الدهشورى خلف” لينقذه بورقة “مناورة” يستخدمها ليذكر جمهوره به وبإمكانياته الكوميدية ويقول لهم “هنيدى أهو” ويستدعى به أيضاً روح النجاح والقمة فينتفض الجمهور ويلتف حوله من جديد بحثاً عن جزء جديد من “صعيدى فى الجامعة الأمريكية” الذى مازال يحمل كتلة النجاح كاملة حتى الآن ويتفاعل معه بين التفاصيل والاقتراحات والغموض أحياناً وهو ما نجح فيه بالفعل وأصبح الجميع يتحدث عن هنيدى و”صعيدى” وأصبحت صورة “هنيدى” فى عين وعقل الجمهور بصورة نجاحه فى هذا الفيلم والتى تعتبر “مناورة تكتيكية” يعود بها للصورة ثم يقدم بعده عملاً مختلفاً تماماً وأن يكون “هنيدى” بهذا الدهاء والذكاء الذى يستلزم وقتها تقديم فيلماً قوياً بكوميديا صارخة يحقق به نجاحاً يفوق نجاح “صعيدى” أو حتى يقترب منه لأنه هو الذى وضع أمامه بنفسه “بعبع صعيدى” وإلا ستكون الخسارة هذه المرة نتائجها فوق تحمله.

 

أتمنى أن يكون “هنيدى” بالذكاء الذى يجعله يتوقف فقط عند المناورة بورقة “إشهار الإفلاس” ولا يدخل فى تجربة إعادة “صعيدى” لأن النجاح الساحق يحدث مرة واحدة فقط ولا يتكرر فلا داعى للمغامرة بتقديم جزء ثانٍ قد يشوه الفيلم الأصلى أو يدمر نجاحه بعد اختلاف الوقت والزمن ونجومه خاصة أن “هنيدى” مازال يملك تقديم الجديد والمبهر أيضاً ولكن باستنفار همته وقوته والجهد المضاعف فليست من الحكمة تكرار مأساة “ليالى الحلمية”.

 

الكرة الآن أصبحت فى ملعب “هنيدى” ومصيره بيده شخصياً وعليه أن يختار إما أن يتجدد ويبدع أو يدور فى فلك الماضى الذى قد يتشوه أيضاً بمغامرة تحتمل النجاح أو الفشل خاصة بعد عودته للدراما التى لو أحسن استغلالها باحتراف ستمهد له العودة السينمائية القوية خاصة أن آخر ظهور له على الشاشة الصغيرة كان منذ 4 سنوات بفوازير “مسلسليكو” التى لم تحقق أيضاً النجاح المنتظر لاعتماده على نفس الأداء المكرر.

 

“هنيدى” يحتاج لوقفة حاسمة مع نفسه يسترد بها عرشه المفقود والذى مازال جمهوره يحرسه له فى انتظار عودته قبل أن يطول به الوقت … فالوقت كالسيف إن لم تقطعه ….. قطعك!

 

 

ملاحظة

ان الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتب المقال وليس بالضرورة تعبر عن توجهات موقع بيروتكم