كارمن حجاج




القاهرة – طارق سعد

من السهل أن تقودك الأقدار للتواجد في ملعب كبير ملئ بالمواهب والمهارات المختلفة ومن السهل أيضاً أن تستمر وربما لا يشعر بك أحداً ولكن الصعب بل الأصعب هو أن تضئ مهاراتك ويبزغ نجمك وسط هذا التكتل من “كوكتيل المهارات” فتخترقه وتظهر لافتاً لامعاً متميزاً عما يحيطك من زحام وضجيج فتعلن عن نفسك بنفسك مختلفاً.

صفحة من كتالوج التفرد اقتنصتها “ريهام حجاج” واستطاعت فك شفراتها بمنتهى السلاسة منذ ظهورها الرسمي الأول أمام “يوسف الشريف” في مسلسل “رقم مجهول” لتعبر عن نفسها في لون مختلف ومتفرد عن كل الممثلات المتواجدات على الساحة فتركيبة “ريهام” مكوناتها خارج التصنيف والمقارنة شكلاً وأداءً وهو ما منحها ختم جودة مميز لمذاق رائع تملك سر خلطته فقط “ريهام حجاج”.

قدرة “ريهام” على الاختلاف منحة ربانية حافظت عليها وأمسكت بها جيداً .. عرفت قدراتها وحجم موهبتها وغلفتها بأداء سهل وبسيط طريقته هي الأقرب لقماشة “شويكار” حتى وإن اختلف نوع القماش إلا أن “ريهام” تلعب من بعيد  في نفس المنطقة رغم إرادتها فصنعت لنفسها منطقة خاصة بها لا تشبهها فيها أية منافسة أخرى ولن تستطيع تقليدها لأنها وببساطة هذه المنطقة هي من نفس تركيبة “ريهام” الحقيقية فكان مفتاح النجاح.

تجارب “ريهام” الدرامية أثبتت أنها تستطيع أن تؤدي الـ “لايت” بمنتهى السلاسة والطبيعية دون “فذلكة” وهو ما ظهر واضحاً  فى “رقم مجهول – هبة رجل الغراب وسيت كوم أحلى أيام” وغيرها من المشاركات في نفس الإطار وأثبتت أيضاً أنها تملك وجهاً آخر في التمثيل والأداء الدرامي وهو ما تأكد بقوة في مشاركتها في “يونس ولد فضة”و”الكبريت الأحمر”وظهر النضوج واضحاً على “ريهام” مما يجعلك تستشعر أنها على عتبة البطولة المطلقة ولكن … أين ومتى وكيف؟

“كارمن” كان هو الثوب الجديد الذي ارتدته “ريهام حجاج” كبطلة مطلقة لأول مرة والحقيقة أنه تم اختياره بعناية ليناسب مقاس “ريهام” فللمرة الأولى “تشيل مسلسل” بمصطلحات السوق الدرامي وهو الرهان الذي جاء في وقته تماماً ولكنه في منتهى الخطورة كسلاح ذو حدين فإما أن تنطلق “ريهام” كبطلة لها أعمالها أو “تتكعبل” وتعود للمشاركة في البطولات الدرامية أو الأدوار الثانية.

الذكاء في صناعة هذا العمل هو الاعتماد على “كاراكتر ريهام” الذي تجيده وتتميز به تماماً وأوصلها للبطولة وهو ذكاء “ريهام” أيضاً التي قررت عدم المغامرة في أول عمل من بطولتها واللعب في المضمون فتحولت  بتلقائيتها وعفويتها لـ “كارمن حجاج”.

الذكاء أيضاً كان في اختيار “فورمات” من نوعية الـ “لايت” الخفيف الظريف اللطيف ولكنه يحمل قيمة وهدف وهو ما نفتقده غالباً في هذه النوعية التي يستسهلها أصحابها ويقدمون لنا مهاراتهم في الهزل!

“كارمن” سعى من البداية ليكون عملاً متكاملاً فأسس لذلك بورشة كتابة قدمت سيناريو متماسك ورشيق لأبعد الحدود مليئاً بتفاصيل شيقة بلا ملل وهو ما ساهم فيه بشكل أصيل مخرج العمل “حسين شوكت” الذي استطاع الحفاظ على الإيقاع قدر المستطاع مع الأحداث المتشابكة بتفاصيلها المتعددة وتقديم صورة مبهجة رغم وجود مشاهد معتمداً فيها على إضاءات طبيعية فخرجت مظلمة و”مالهاش لازمة” إلا أنه أدار مباراة في الأداء بين الأبطال بجدارة أضافت لها لغة الحوار البسيطة والقريبة من مستويات المشاهدين المختلفة بريقا ًمع صوت جنات والأغنية والموسيقى والتتر فيصنع من “كارمن” عملاً محترماً يجذبك لمتابعته واللهث خلف أحداثه السريعة والمتلاحقة ليكفر به عن الكارثة التي قدمها منذ سنوات كجريمة فنية متكاملة تستوجب المحاكمة بإنزال أقصى عقوبة والتي حملت اسم “قلوب”.

الحقيقة أن “ريهام حجاج” قدمت أوراق اعتمادها كبطلة مختومة ومستوفية كل الشروط وهو ما وضعها رسمياً في الصفوف الأولى فبساطتها قادتها للعبور بسفينة “كارمن” لبر الأمان بمشاركة مجموعة من اللاعبين المهرة تم توظيفهم بمنتهى التوفيق وأجادوا ليصبح كل منهم بطل دوره فاستفادت “ريهام” واستفاد النجوم المحيطون واستفاد صناع العمل ثم استفاد المشاهدون جميعاً.

على رأس هؤلاء القدير “أحمد حلاوة – سراج باشا” بتواجد كرمانة ميزان للعمل بخبرته وأداءه الذى منح كل من يدور في فلكه مساحات يضع فيها “بروازه” واضحاً لامعاً …. أيضاً “ياسر على ماهر – سليمان” الذي يثبت عملاً بعد الآخر أنه قوة لا يستهان بها رغم بساطة أداءه وسهولته إلا أنه يمتلك حضوراً طاغياً وأداءً حركياً وصوتياً يجعله من مكسبات الطعم القوية لأي عمل يشارك به فهو فنان “عتويل” لم يأخذ حقه كما يجب حتى الآن.

“ليلى عز العرب – نرجس” قدمت واحداً من أفضل أدوارها رغم صغر مساحته إلا أن ظهورها النادر كشريرة منحه أفضلية فأخرجت هذه السيدة الـ “شيك” طاقة من الشر والكره والغل  مفاجئة باقتدار ربما تفتح لها مساحات أكبر في نوعية أدوارها القادمة.

“ولاء الشريف – يارا” أيضاً قدمت أفضل أدوارها على الإطلاق ليس لبراعة الأداء ولكن .. هناك حاجز خفي يقف دائماً بين “ولاء” والمشاهد وقد يكون هذا الحاجز مع كم الشر الجحيمي الذي تقدمه هو سر هذا التفوق وعامل النجاح الأول فكان التفاعل معها بقسوة ولكن “ولاء” التي استفادت من هذا التفوق على نفسها عليها سرعة مراجعة أداءها الواحد فى كل أدوارها وتطويره والانطلاق من نقطة “يارا”.

“هاجر أحمد – رنا” تثبت في كل ظهور لها أنها قادمة بتمهل وثقل ونضوج مستمر وثقة ستقفز بها لصفوف متقدمة سريعاً إذا استطاعت أن تتطور وتتنوع وهي تملك كل المقومات لذلك.

“محمد كيلاني” القادم من الغناء إلى التمثيل تجده وجد نفسه في منطقة أهم وأقوى فتسلسل ظهوره القوي في مسلسل “مريم” مع “هيفاء وهبي” ثم “ونوس” بجانب نجم كبير بحجم “الفخراني” ثم “نصيبي وقسمتك2” هو ما قفز به إلى “توفيق” الذي كشف أن “كيلاني” تمكن من عجلة قيادة مستقبله ويسير به في الطريق الصحيح في نفس الوقت الذي يحتاج فيه الالتفات لمجهود كبير في “الشغل على نفسه” وتطوير أداءه حتى لا يقع فريسة لقالب واحد من الأدوار.

“عبير منير- إنجي” هي قطعة الجاتوه التي تضيف مذاقاً للعمل والحقيقة أنها شكلاً وموضوعاً يليق بها الوصف تماماً الذي ينتقل إليك فعلياً بمجرد ظهورها على الشاشة بأدائها الناعم حتى في تقديم الشر بمسلسل “بيت السلايف” كانت قطعة من الجاتوه “عنيف شوية” وهو ما يوصلها للمشاهد دون أي عناء.

أما مفاجأة العمل هو “نور محمود – مختار المحامي” والذي قدم درساً تمثيلياً تتوقف أمامه ويستوجب التقدير فشخصية “مختار” بمواصفاته كمحامي تم تقديمها كثيراً وربما كان يمكن أن يقدمه أي ممثل آخر “ويعدي” فليس بها جديد على الورق إلا أن مهارة وموهبة “نور” جعلته يصنع منها بطلاً لهذا الدور فصناعة الأداء الحركي والصوتي وتفاصيل النظرات والإلقاء هو ذكاء تلمحه في مجهوده في تقديم كل الأدوار بجميع الأعمال الذي شارك فيها فاستطاع بهذا الذكاء أن يجعل من “مختار” قائداً لحرب من الباطن ويضعه في بؤرة الضوء وهو درس يقدمه “نور” دون قصد عنوانه “كيف تصنع من نفسك نجم”.

أيضا أجاد كل من “محمد مهران – بطرس غالي – حسن العدل – عزة بهاء – محمد مرزبان – نادر فؤاد – عمر الشناوي – محمد على رزق – رانيا زهير” كما بزغ بقوة نجم  “صبا الرافعي”.

أما “شيرين” فبالرغم من تقديمها أحد أفضل أدوارها إلا أن ارتدائها لـ “باروكة” هى العجيبة الثامنة لعجائب الدنيا السبع أخذ منها كثيراً وأضاع التركيز مع أدائها خاصة في بعض زوايا التصوير التي تظهر فيها وكأنها قطعة ديكور أو “أباجورة” وهي السلبية الأكبر في العمل كاملاً.

كذلك ورغم النجاح الكبير لـ “ريهام حجاج” في أول عمل كبطلة أولى إلا أن السؤال الذي يحتاج لإجابة وتقديم المسؤول عنها  …. من هو صاحب فكرة تصوير “ريهام” لمعظم المسلسل وهى “واخدة تان”؟! رغم أن هناك مشاهد تظهر فيها بلونها الطبيعي وأحياناً مشاهد متتابعة وهو ما ضرب الـ “راكور” في مقتل واعتماد المخرج على الـ “لا إضاءة” في عديد من المشاهد  أضر بـ “ريهام” كثيراً وظهرت بها “محمصة”!

أما بالنسبة لأكبر نقطة ضعف في المسلسل فكان “عمر عبد الحليم – ميدو عز” والذي إذا قُدر للمسلسل أن يحصد جوائز فستكون هناك جائزة خاصة محجوزة باسمه كـ “أوسكار الأفورة”.

“كارمن حجاج” … هي باختصار جواز مرور “ريهام حجاج” للبطولات المطلقة ويتبقى فقط أن تأخذ الإقامة.

النجاح سهل وقد يأتي أحياناً منحة … ولكن الحفاظ عليه صعب .. والاستمرار فيه هو الأصعب وهو التحدي القادم لـ “ريهام حجاج” بعد أن استكثر عليها البعض هذا النجاح وهناك من قلل منه .. وآخر هو تصفية حسابات شخصية إلا أن الواقع الآن أصبح سؤال “ريهام” .. منها وإليها …… وماذا بعد؟!

الإجابة بعد الفاصل …………..