توفي الفنان والملحن والمسرحي اللبناني زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاما، في أحد مستشفيات بيروت، اليوم السبت، بعد معاناة مع المرض، بعد مسيرة فنية تركت بصمة عميقة في الموسيقى والمسرح.
زياد الرحباني هو نجل الفنانة فيروز، والمؤلف الموسيقي والمسرحي والشاعر الراحل عاصي الرحباني. ولد عام 1956 وبدأ مشواره في سن الـ17، لكنه اختار لنفسه طريقًا فنيًا مستقلًا وناقدًا، أقرب إلى نبض الشارع وهموم المواطنين اللبنانيين.
تنوعت أعماله بين التأليف الموسيقي والعزف والكتابة المسرحية والتمثيل وتعاون مع عدد كبير من الفنانين من بينهم والدته فيروز.
بدأ التعاون الفني بين فيروز وإبنها زياد في ألبوم “وحدن” عام 1979، يومها كانت الحرب الأهلية تمزّق بيروت، وزياد كان يكتب موسيقاه من قلب المعاناة، لا من الشرفة الرحبانية.
كانت الأغاني تُشبه المكان والزمان: حزينة، صادقة، وموجعة. غنّت فيروز كلمات وألحان ابنها، وكأنها تمنحه صوتها ليقول ما يريد، بلغتها هي.
غنّت فيروز “عودك رنان” و”وحدن”، وغنّت بصوتها الحنون صرخته الصامتة.
توالت الأعمال، وكان أبرزها ألبوم “كيفك إنت؟” في التسعينات، حيث قدّم زياد لفيروز ألحانًا مفعمة بالصدق والواقعية. أغنيات مثل “كيفك إنت”، و”أنا عندي حنين”، و”بكتب اسمك يا حبيبي”، مزجت بين البساطة والعمق، وبين الحنين والأسى.
في العلاقة بينهما، لم تكن فيروز فقط “الأم”، بل كانت أيضًا “الصوت”، بينما كان زياد ليس فقط “الابن”، بل “الكاتب والموسيقي والمخرج”، الذي يُعيد تشكيل صورة فيروز لجيل جديد، دون أن يُفقدها وقارها أو سحرها. كان يُجرّب، يُغامر، أحيانًا يُبالغ، لكنها كانت تثق به. كانت تؤمن أن في صوته غضبًا نقيًّا، يشبه غضبها الداخلي الذي لم تعبّر عنه علنًا يومًا.
لكن هذه القصة لم تكن دومًا ناعمة. مرّت بتوترات، بخلافات عائلية وفنية. الصحف كتبت عن قطيعة، عن ابتعاد، عن جفاء، لكنه، في كل مقابلة، لم ينكر فضلها، ولم يتوقف عن احترام مكانتها، حتى وإن اختلف معها.
ومع ذلك، يبقى صوت فيروز في أعمال زياد بمثابة الذاكرة المقدّسة. ويمثّل زياد في حياة فيروز الابن الذي اختار دربًا مختلفًا، لكنه ظل ابن البيت، ابن القلب، وابن الصوت الذي حمله في قلبه طوال حياته.
إنها قصة أم وابن، لكن أيضًا قصة وطن وصوت، موسيقى وسؤال، تقليد وتمرد. قصة بدأت في بيت موسيقي صغير، وامتدت إلى مسارح العالم، وتركت خلفها أعمالًا لا تنسى، تنبض بالحقيقة، وتُثبت أن الفن حين يكون عائليًا، يكون أكثر صدقًا، وأكثر وجعًا
- “عودك رنان”، ” وحدن” ، ” كيفك إنت؟”، ” أنا عندي حنين”، ” ولا كيف”
كلها كانت ثمار هذا التحالف العائلي الفني، حيث الأم كانت الأيقونة، والابن هو المخرج الموسيقي لهذا الصوت الخالد.
واشتهر زياد الرحباني بموسيقاه ومسرحياته السياسية والاجتماعية الناقدة. وتميزت مسرحياته بلغتها العامية الساخرة، وبطرحها المباشر لقضايا الحرب، والطائفية، والطبقية، والفساد.
كان زياد الرحباني كاتبا وملحنا وموسيقيا ومسرحيا عاشقا للفن. أضحك الجمهور كثيرا بنقد ساخر، لكنه حاكى به الواقع اللبناني المرير الذي يعاني من الانقسامات الطائفية والعصبيات والتقاليد.. ولم ينجُ من انتقاداته، لا سيما في سنوات تألقه الأولى، حتى فن والديه التقليدي والفولكلوري.
ويعد زياد الرحباني أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر. مزج زياد بين الجاز والموسيقى الشرقية، وقدم أعمالا مختلفة من حيث التوزيع والأسلوب.
اكتُشفت موهبة زياد الموسيقية في طفولته، إذ كان والده يستشيره في الألحان منذ أن كان في السادسة من عمره. ومع مرور الوقت، بات يؤلف ألحانه الخاصة، حتى قدم أول لحن لوالدته فيروز وهو في الـ17 من عمره، وكانت الأغنية الشهيرة «سألوني الناس»، التي جاءت تعبيرًا عن غياب والده عاصي خلال فترة مرضه.
بدأ زياد مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة “سهرية”. في العام 1980، حصدت مسرحية “فيلم أميركي طويل” التي كانت وقائعها تجري في مستشفى للأمراض العقلية نجاحا منقطع النظير، وقد اختصر فيها مشاكل المجتمع اللبناني وطوائفه التي كانت تغذّي آنذاك نار الحرب الأهلية.
كتب زياد الرحباني ولحن لاحقا لوالدته الفنانة فيروز العديد من الأعمال. أبرزها “كيفك إنت”، و”ولا كيف”، و”عودك رنان”. كما لحن أيضا لغيرها من الفنانين الذين عملوا معه. كما ألّف العديد من المقاطع الموسيقية.
ومن أبرز أغنيات زياد التي أداها بصوته: الحالة تعبانة، ودلّوني عالعينين السّود، وبلا ولا شي، وعايشه وحده بلاك، واسمع يا رضا، والبوسطة، وبصراحة.
في العام 2018، افتتح زياد الرحباني مهرجانات بيت الدين الدولية في استعراض موسيقي لأعمال له وللأخوين الرحباني تخللتها لقطات تمثيلية وتعليقات ساخرة. وقدّم على مدى نحو ساعتين حوالي 26 مقطوعة موسيقية وأغنية مع فرقة كبيرة.
انطلق زياد الرحباني مغردا في فضاء الإبداع، في التأليف والتلحين والإخراج، عبر عشرات الأعمال الموسيقية والمسرحية التي تميزت بجرأتها وقوة تأثيرها وتميزها الفني، سواء على مستوى الكتابة التي مزجت بين النقد السياسي والسخرية الاجتماعية بعمق وفكاهة، أم التلحين الموسيقي المتميز.