تعرف على تقاليد عيد البربارة.. ومن هي القديسة سجينة البرج العالي التي “هربت مع بنات الحارة”؟


يحتفل المسيحيون عادةً في سوريا ولبنان وفلسطين بعيد البربارة مساء يومي 3-4 كانون الأول من كل سنة بتقاليد خاصة.

إذ يخرج الأطفال والشباب مساءً في أزياء تنكرية ويطوفون على بيوت الجيران والأقارب والأصدقاء ويعايدونهم، فيتم إعطاءهم بعض الحلويات اي ما يشبه (العيدية) .

ويرافق احتفالات البربارة أغاني وأناشيد حيث يخرج الناس إلى ساحات القرى وينشدوا الأناشيد الدينية والأهازيج.

وفي يوم العيد يتم سلق القمح والذرة التي يتم تقديمها مع السكر والرمان أو إضافات تحليه أخرى وتُعرف باسم “البربارة” وهي طبق تقليدي لهذا اليوم يقدم كنوع من تحلية .

كما تقدّم القطايف بالقشطة، إلى جانب حلوى المعكرون والعوّامات.

أمّا علاقة بربارة بالقمح، فمرتبطة بأساطير الحصاد وطقوس العبادة التي أحاطت بها منذ الأزمنة القديمة.

في المعتقد المسيحي، تعدّ بربارة شفيعة المصابين بالأمراض الوبائية، و”يستجير بها المعرّضون لخطر الصواعق.

ويطرقون بابا بعد باب وهم يهتفون أهازيج شعبيّة خاصة بالمناسبة، ومنها “أرغيلة فوق أرغيلة صاحبة البيت زنغيلة” و”شيحة فوق شيحة صاحبة البيت منيحة”، و”هاشلة بربارة مع بنات الحارة”.

كان أهل القرى يلوّنون وجوههم، ويرتدون ملابساً ممزقة وخرقاً بالية، للقيام بجولات ليلية وتبادل الحلوى، بعد أداء طقوس القداس إكراماً لبربارة.

وتتوارث العائلات هذه الأهازيج من جيل إلى جيل، وقد أدتها الفنانة الراحلة صباح في أغنية فلكلورية بعنوان “هاشلة بربارة”، اشتهرت في الستينيات، وما زالت تذاع في العيد كلّ عام.

وتعني كلمة “هاشلة”، هاربة، في اللهجات الشامية، وذلك نسبة إلى قصة هرب القديسة بربارة من والدها.

من هي القديسة بربارة وماذا حدث معها لتصبح قديسة؟

عيد القديسة بربارة، من أقدم التقاليد في الكنائس المسيحية، ويصادف عند الطوائف الغربية مثل الموارنة والكاثوليك في 4 ديسمبر/ كانون الأول، في حين تحتفل به الطوائف الشرقية مثل الروم الأرثوذكس في 12 منه. كذلك يحتفل به الأقباط في 8 شهر كيهك، وهو الشهر الرابع في السنة القبطية، ويصادف في شهر ديسمبر.

هناك خلافات حول تاريخية بربارة، إذ لا توجد مراجع دقيقة توثّق حياتها، ويميل البعض للاعتقاد أنّ حكايتها، في جزء من تفاصيلها، تخلط الواقع بالأسطورة.

ويعتقد أنّ بربارة عاشت في القرن الثالث للميلاد، لكنّ الاحتفال بذكراها لم يبدأ إلا في القرن السابع. ويسود خلاف حول مكان ولادتها، إذ تفيد بعض المرويات الشعبيّة أنّها ولدت في مدينة بعلبك الواقعة في لبنان اليوم، في حين يرى آخرون أنّها ولدت في مدينة نيقوميديا الواقعة في تركيا حالياً.

ويعتقد أهالي قرية عامود الفلسطينية في الضفة الغربية، إنّ القديسة بربارة مدفونة في دير من أديرة القرية، حيث يضيئون لها الشموع كلّ عام.

وتقول القصّة، إنّ بربارة كانت ابنة نبيل روماني، عرف بثرائه، وبتعصّبه لوثنيته. ولأنها كانت على قدر عالٍ من الجمال، خاف والدها عليها من العيون، فبنى لها برجاً عالياً، حبسها فيه معظم طفولتها وشبابها، وكان الخدم والمعلّمون يزورونا لتزويدها بالطعام وتدريسها.

من برجها المسوّر العالي، المحاط بالحرس، اكتسبت بربارة عادة تأمّل الطبيعة، ودورة الفصول، وحركة الشمس والقمر، فخلصت إلى قناعة ذاتية بأنّ الخالق لا يمكن أن يكون من الأصنام التي يعبدها أهلها.

ولأنّ أحد مدرّسيها كان مسيحياً، عرفها على الانجيل، وقررت أن تنال المعمودية بالسرّ، وتكريس حياتها للمسيح، فصارت ترفض عروض الزواج.

رفض بربارة الزواج، أحرج والدها أمام نبلاء قومه، فحاول أن يضغط عليها، وبدأ يشكك بتأثير المعتقدات المسيحية عليها. وعندما صارحته بإيمانها، حاول قتلها، فهربت منه وصارت تركض في الحقول والبراري.

وللاختفاء عن عيون والدها وحراسه، صارت بربارة تلف نفسها بالملابس الممزقة، وتلوّن وجهها، واحتمت بين سنابل القمح الناضجة.

لكنّ أحد الرعاة تعرّف إليها، بسبب يديها الجميلتين، وعينيها الثاقبتين، كما تقول الأغنية الفلكلورية: “هاشلة بربارة مع بنات الحارة، عرفتها من عينيها ومن لمسة ايديها، ومن هاك الأسوارة”.

وتقول نسخ أخرى من الحكاية، أن بربارة حين هربت من والدها، انشقت صخرة كبيرة، فاختبأت داخلها.

وبعدها يلقي والدها القبض عليها، ويجرّدها من ملابسها، يجلدها أمام الناس. تستنجد بربارة بالمسيح فيلفها بالنور، كي لا يرى الناس جسدها، بحسب المعتقد المسيحي.

وبعد جولات تعذيب عدّة، لم تتخلّ بربارة عن ايمانها، بل كانت جراحها تشفى في كلّ مرّة. عندها لجأ والدها إلى الحاكم الذي أمر بقطع رأسها.

طلب والدها تنفيذ الحكم بنفسه، واستعدّ لقطع رأس ابنته. عندها هبّت لنجدتها شابة أخرى، تدعى يوليانة، تأثرت بها، فأعلنت ايمانها بالمسيح. فقتلت الاثنتان معاً، وتعتبران شهيدتان من شهداء الكنيسة الأولى.

يشكّل عيد البربارة إيذاناً ببدء موسم الميلاد، فمن العادات البدء بتزيين شجرة العيد بعد انقضاء ليلة البربارة، إلى جانب زرع بذور العدس والحمص وحبوب أخرى في أوانٍ صغيرة، لكي تنمو منها براعم خضراء.

المصدر bbc.com