إيلي صعب بعد تفجير بيروت : رأيت ابني مغطى بالدماء (فيديو)


وكالة رويترز

كشف المصمم اللبناني إيلي صعب لوكالة رويترز عن تفاصيل إصابة ابنه وتعرّض مشغله ومنزله لأضرار جسيمة جراء الانفجار الكارثي الذي هز مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس

“رأيت ابني مغطّى بالدماء، ولم أتمكن من تصديق ذلك. ثم قلت حسناً، هو مصاب لكنه بخير، فإصابته تقتصر على جروح سطحية طالت رأسه وذراعيه”.. هكذا يتذكّر صعب الدقائق التي تلت الانفجار، هو الذي كان في مشغله بوسط بيروت برفقة ابنه وفريق عمله المؤلف من 200 شخص. ولحسن الحظ فإن الأضرار اقتصرت في المشغل على الماديّات”.

يقع منزل صعب في منطقة #الجميزة التراثية، وهو يبعد مئات الأمتار عن موقع الانفجار، مما يفسّر الأضرار الجسيمة التي لحقت به. وقال المصمم في هذا المجال مستذكراً الحرب اللبنانيّة: “كانت الرائحة نفسها، والغبار نفسه، والزجاج المكسور. بصراحة لم نكن نريد أن نسترجع ذلك ولم يكن ضرورياً.. هذه نكسة كبيرة ولكن علينا أن نكون مثل بيروت التي في كل مرة تذهل نفسها والعالم وتعود أفضل مما كانت”

وكان صعب أطلق علامته الخاصة من بيروت في العام 1982 وانطلق منها إلى العالم. ويُتوقع أن يعاود فريق عمله العمل في مشغله خلال هذا الأسبوع، أما منزله فيحتاج ترميمه إلى المزيد من الوقت.

“علينا أن نمضي قدماً، فنحن كلبنانيين لم نتعوّد على الاستسلام. هناك جزء قابل لإعادة التأهيل ولكن الخسارة الكبيرة هي خسارتنا للناس الذين لا نستطيع إعادتهم”.. بهذه العبارات اختتم صعب حديثه مع وكالة “رويترز”، كاشفاً عن شعور بالمرارة وباعثاً برسالة أمل حيث أكد المضيّ في التحضيرات لمجموعته الجديدة من الأزياء التي سيتمّ إطلاقها الشهر المقبل
يذكر أن صعب نشر على حسابه الخاص على “إنستغرام” صوراً للمنزل الذي يقع في حي الجميزة التراثي القديم على بعد مسافة قصيرة من موقع الانفجار الكبير.

تطايرت فساتين بيروت المشغولة بنول صعب فتسلل اللون الأحمر خلسة إلى أقمشة المصمم اللبناني العالمي ايلي صعب الذي وجد عمرانه الناعم قد تهشم أرضاً بفعل انفجار مرفأ المدينة. حيث أتى عصف الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت على امبراطورية صنعها رجل كان ينام على حرير ويصحو على حياكة أحلام سيدات المجتمع.


ورغم أن العصف استمر لثوان معدودات، فقد بدا هذا الوقت بالنسبة إلى ايلي صعب وكأنه دهر حيث سار للتأكد من أن موظفيه البالغ عددهم 200 فرد بمن فيهم نجله كانوا في أمان. وفيما جلس إلى جانب ابنه ايلي جونيور، مستذكراً اليوم المشؤوم عندما رأى نجله مضرجاً بدمائه، لخص الموقف بالقول “كأنه منام بشع”.



وقال صعب لوكالة “رويترز”: “عندما رأيته مغطى بالدماء قلت مش معقول، ما صدقت، قلت مصاب لكن لا بأس الحمد الله إنه استطاع أن ينجو. كانت ربع ساعة يمكن طولها شي يومين”. وأضاف: “ليست قضية أب وابنه وابن وأبوه. القضية أننا نشتغل كلنا كأننا عائلة تحت سقف واحد. نحن نهتم لكل الأشخاص”.


وتسبب انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم كانت مخزنة لسنوات في مستودع بالمرفأ من دون إجراءات سلامة في تصاعد سحابة على شكر الفطر يوم الرابع من آب/أغسطس الجاري ومقتل 178 شخصاً وإصابة ستة آلاف وتدمير مناطق بأكملها في بيروت. وأدى الانفجار إلى تدمير محلات لمصممين آخرين لديهم دور أزياء في وسط بيروت، منهم زهير مراد وربيع كيروز وعبد محفوظ وغيرهم وأصيب بعضهم أيضاً بجروح.



وبتنهيدة طويلة، ردد صعب مع ابنه ايلي جونيور، تعبيراً مشتركاً مشتقاً من اسم العائلة فيقول الرجلان: “كان شي كتير صعب”، علماً أن مصمم الأزياء اللبناني اختبر كل سنوات الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان بين 1975 و1990 بتفاصيلها وعذاباتها، كونه عاش في منطقة عين الرمانة عند خطوط التماس في بيروت. لكن هذه المرة كانت التجربة مختلفة بالنسبة له، وقال: “أكيد رجعنا لذات التفاصيل، لذات الريحة، للغبرة للزجاج. لم نكن نحب أن نعيش هذا الشي، ما إلها لزوم وكان فينا ما نعيشها”.



ومثل العديد من اللبنانيين شعر الرجل البالغ من العمر 56 عاماً بأن الانفجار كان على عتبة بابه. ولم يكن صعب وفريقه العامل ينتظر أزمة مدمرة من هذا النوع، خصوصاً أن اللبنانيين كانوا في أمسّ الحاجة إلى نهوض اقتصادي معيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد. وقال: “اللبنانيون لديهم مشاكل كثير أكبر من ذلك. لكن هذا الشيء الذي صار لا يمكن وصفه. كان كتير بشع”.



ورغم مأساوية المشاهد، يجلس ايلي صعب مراقباً دولته التي كانت من قماش فاخر وانهارت أمام ناظريه لكنه يعلن اليوم تصميم ثوب الأمل وإزالة رائحة الدمار والغبار ولن يدع الزجاج المتكسر يحتل الأمكنة المدمرة. ولا يعتزم صعب مبارحة بيروت والهجرة، وقال: “أنا صورة لكثير من الشباب اللبناني، لا أريد المكابرة على نفسي أو التعالي على اللكمة التي أكلناها. يجب أن أكون مثل بيروت كل مرة تنفض نفسها وتطلع من تحت الدمار وترجع أحلى مما كانت”.


ودار أزياء صعب الواقعة في وسط بيروت لم تكن الخسارة الوحيدة له حيث أتى الانفجار الصاعق على منزله التراثي في منطقة الجميزة الأكثر تضرراً. ويمتلك صعب بيتاً تقليدياً لبنانياً في منطقة الجميزة تعلوه الأعمدة التراثية وقبة القناطر والسقوف العالية والرخام وبلاط الأرابيسك وتضيئه ثريات نادرة باهظة الثمن اقتناها من اسطنبول. وبدأت أعمال الإصلاح في دار الأزياء الضخمة التي يمتلكها في وسط بيروت لإعادة العمل كما كان قبل الانفجار. وفي الوقت ذاته يعتزم العمل على إعادة منزله كما كان.


ووثقت كاميرا “تلفزيون رويترز” مشاهد الدمار والخراب في منزله حيث دمرت قوة الانفجار كل مقتنياته فتكسرت القناطر والثريات وأزيلت الواجهات واتكأت الشرفات على بعضها البعض وامتزج الرخام بالركام. وفي ثنايا مشهد الخراب تنزوي شماعات ثياب مخملية كأنها تبحث عن فساتينها من بين الأنقاض.



وفي زاوية أخرى تظهر أسطوانة موسيقية قديمة للفنانة فيروز تحمل عنوان “لبنان الحقيقي جايي” وقد انشطرت قسمين وطاول الدمار أسماء أغنياتها لكن صعب يقرر العودة إلى صلب الاغنية ليعيد بناء ما هدمه الانفجار.