د.طارق سعد يكتب: عندما تحول الثنائي ديمة وقصي لقدر “القدر”!


ابتدعت شركة MBC تقليداً درامياً منذ سنوات بتعريب الأعمال الدرامية التركية وتقديمها في نسخة عربية وأعادت تقديم نجوم العرب بشكل جديد لسوق الدراما العربية مما جعلهم نجوم صف أول يناديهم الجمهور ويشير إليهم ويتابعهم وينتظرهم مما زاد الطلب عليهم وأصبحوا نجوماً لعدد كبير من الأعمال التي اكتظت بها منصتها الخاصة لتشاهد من خلالها النجوم في طلتهم الجديدة.

بالرغم من عقود التعريب التي تشترط الإبقاء على تفاصيل العمل إلا أن هناك مَنفذ في هذه العقود للتغييرات الضيقة في بعض الأحداث والجُمل الحوارية بالاتفاق مع أصحاب النسخة الأصلية بما يتناسب قدر المستطاع مع بيئة المشاهد العربي من عادات وتقاليد وقيم ومبادئ اجتماعية وقبلها دينية وأيضاً قد تكون بعض التغييرات لضمان نجاح العمل وإضافة بعض مواطن القوة وهو ما نفذته الشركة المنتجة فعلياً في كل أعمالها المعربة تقريباً بل قامت بتغيير النهايات تماماً في أهم وأكبر وأنجح عملين قامت بتعريبهما “كريستال وستيلتو” بما يعني امتلاكها القدرة على التغيير ولأسباب تجارية بحتة.

ما فعلته الشركة المنتجة سابقاً لأغراض تجارية لم تقم به هذه المرة لأغراض أهم وأخطر حتمية دينية واجتماعية في استعانتها بالمسلسل التركي “لعبة القدر” وتقديمه عربياً باسم “القدر” والذي تقوم فكرته الأساسية على إيجاد حل لعدم الإنجاب ظاهره الرحمة تجارياً بتسويق فكرة “الأم البديلة” باطنه العذاب دينياً سماوياً في أصلها “تأجير الأرحام” وهو عمل لا ديني ولا قانوني بشكل صريح ولم تكن تلك هي الأزمة فقط في تناول عمل بهذا الشكل معرَّباً ولكن الأزمة الحقيقية هي تسويق الفكرة وترويجها بأنها الحل الأمثل من خلال سير الأحداث ودورانها حولها بلا أية إشارة أو حتى إيماءة لتحريمها أو تجريمها بل أنها المُسكِّن الأمثل لكل شخصيات العمل المنزعجة في سياق الأحداث من حمل “نور” لولد من “زيد” وثورة الغضب التي تشتعل فور انكشاف الأمر باعتبارها أقامت علاقة مع “زيد” بالطبع محرمة من وجهة نظرهم لكن سرعان ما يهدأوا وتخمد ثورتهم عندما يتم إخبارهم بأن “نور” حملت خارجياً بالحقن الطبي ويكون التركيز على ردة الفعل الذي تقبل بارتياح أن “نور” لم تحمل بعلاقة ولكنها الحمد لله أجَّرَت رحمها لـ “تالا” وعاءً تحمل فيه الولد من “زيد” … “لا إذا كان كده ماشي”!

الغريب أن الشركة السعودية لم تلجأ لأي عبارة ولو جُملة صغيرة لتنويه المشاهد أن ما يحدث حرام وخطأ ولكنها فعلت العكس تماماً بتزويقه وترغيبه ووضعه في برواز الحل الأمثل ضاربة بكل الأعراف عرض الحائط بل تخطى الأمر إصرار “تيم” على الزواج من “نور” حتى بعد معرفته أنها أم الابن ويعدها بحفل زفاف كبير تجلس فيه وبطنها ممتدة من امتلاء أحشائها بـ “ابن خاله” ليخرق المنطق ببله وغباء منقطع النظير إضافة إلى وجوده غير المبرر بلا لون ولا طعم ولا رائحة!

الحقيقة أن مسلسل “القدر” حقق نسبة مشاهدات عالية لينجو من السقوط ويتدخل القدر لينقذه بوجود
“ديمة قندلفت” أمام “قصي خولي” ليشكلا عامل القوة الرئيسي وعامل الجذب لتحقيق هذه المشاهدات التي لم تكن لتتحقق لولا سطوة حضور وأداء “ديمة” و”قصي”.

“ديمة قندلفت” قولاً واحداً هي أقوى ممثلة عربية بما تمتلكه من حضور طاغٍ وشخصية جاذبة وقوة أداء تملك بها الكاميرا وأداء صوتي وهي الوحيدة القادرة على تقديم منولوجاً طويلاً دون أن تشعر بأي ملل بل العكس تماماً فيلازمك شعور الرغبة في عدم انتهاء المشهد لما تقدمه من أداء يسطو على كل الأحاسيس وتعتمد فيه على مقوماتها الشخصية من قوة تعبيرات الوجه وتنوعها بسرعة غريبة مع تغيرات وتيرة الكلام ومعانيه وأيضاً قوة التعبير الجسدي التي تجبرك بالتناغم مع تعبيرات وجهها ألا تتحرك عيناك من أمام الشاشة فأداء “ديمة” الساحر أقرب إلى الأداء المسرحي وهي قادرة على ملء الكادر كاملاً بمفردها لأطول فترة ممكنة دون الإحساس بهذا الوقت ولن تشعر بوجود أحد بجانبها إن كان يشاركها نفس الكادر فأداء “ديمة” متوحش وشرس فنياً لن تستطيع الاقتراب منه ولكنك تظل مستمتعاً به بأعلى درجات السعادة.

عندما تنظر لمشوار”ديمة قندلفت” منذ بداياتها وتراها تصول وتجول ما بين “فلك معوض – ستيلتو” نقطة انطلاقها في الدراما العربية و”بدور الداية – العربجي” ثم “تالا – القدر” تتأكد أن الدراما السورية الخاصة ظلمتها كثيراً وصعدت قبلها من هن أقل منها في الإمكانيات الفنية بالرغم من أن “ديمة” بالتشريح الفني

هي الأقوى على الإطلاق لكنها لم تحظى بنفس الشهرة والوضع الفني عربياً لسنوات طويلة حُرمت منهما مقارنة بمواطناتها اللاتي شاركن في أعمال مصرية منذ سنوات طويلة فحققن شهرة واسعة أو اللاتي شاركن في أعمال عربية حازت على نسب مشاهدة كبيرة حتى جاءت المنصات الرقمية لتنصف “ديمة قندلفت” وتقدمها بما يتناسب مع قيمتها الفنية الحقيقية فهي من النوعية النادرة التي يمكنك أن تعتمد عليها ولو بمفردها في عمل كامل وستحقق بقدرة الجذب النادرة التي تمتلكها أعلى درجات الجودة والنجاح لهذا العمل وهو ما تحقق بالفعل في مسلسل “القدر” عياناً بياناً فتصنع هي بنفسها النجومية لـ “تالا” وليس العكس المتعارف عليه فبالرغم من أن “تالا” هي الأقل على الورق في كل ما قدمته “ديمة” منذ “فلك – ستيلتو” إلا أنها نجت بها وساهمت في نجاح المسلسل كنسبة مشاهدة بسبب اعتمادها على بصماتها الشخصية شفرة نجاحها ولم يكن لأحد غير “ديمة” أن يفعلها.

“ديمة” أيضاً تحقق نجاحاتها الأكبر في أدوار الشر والشخصيات الحادة لما تمتلكه من طاقة كبيرة وشكل أداء يجدا أفضل توظيف في هذه النوعية التي صنعت لها منطقة مميزة تستطيع أن تحقق فيها ما سيصعب على أي أحد منافستها وفي نفس الوقت ننتظر كل طاقات “ديمة قندلفت” للتواجد في الدراما المصرية لأنها ستضيف كثيراً على مستوى الدراما وأيضاً لها شخصياً جماهيرياً ولكن بشرط أن تستمر بنفس لهجتها ومصطلحاتها التي تضيفها دائماً فتمنح بها الحوار مذاقاً خاصاً.

“قصي خولي” بلا شك أفضل ممثل سوري والأقوى بين الوسط العربي كله فيمتلك حضور ساحر وخبرات كبيرة وأسلوب مميز في الأداء بجانب جواز مروره الدائم للمشاهد من قرب وحميمية يشعر بها دائماً مع “قصي” الذي يثبت عمل وراء الآخر أنه وتد درامي سوري وعربي يصعب زحزحته أو منافسته فدائماً “قصي خولي” هو السهل الممتنع الذي يقدم لك كل الصعب درامياً بلا أي مجهود ويترك لك المساحة كاملة للاستمتاع فيبقى الحصان الرابح دائماً والأمثلة كثيرة أهمها على الإطلاق مسلسل “2020” مع اللبنانية “نادين نسيب نجيب” وأيضاً معها في مسلسل “وأخيراً” و”خمسة ونص” فاستطاع صنع أفضل ثنائي فني عربي في كل السنوات الأخيرة بنجاح طغى به غيابه عن الجزء الثاني من “مسلسل 2020” فلم يحقق نفس قوة النجاح بوجود “قصي” في جزئه الأول الأكثر دسامة درامية.

“قصي خولي” بأدواته الخاصة استطاع النجاح أيضاً في مقابلة الجمهور المصري في مسلسلي “سرايا عابدين” مع كوكبة كبيرة من النجوم وأيضاً “جريمة شغف” مع النجمة “نجلاء بدر” والنجمة الشابة وقتها “جميلة عوض” فقدراته الخاصة على تطويع الشخصيات التي يقدمها لتخرج من مصنعه الخاص هي مصدر قوته الرئيسي والتي يعتمد عليها صناع الأعمال الفنية في تحقيق النجاح وهو ما تأكد في مسلسل “القدر” الذي كان “قصي خولي” سبباً رئيسياً في إنقاذه وتعديل دفته والتفاف الجمهور حوله.

أما بالنسبة لـ “رزان جمَّال” فالمسلسل شهادة ميلاد رسمية لنجمة جديدة ينتظرها مستقبل فني كبير في مجال التمثيل بعد بداياتها لسنوات حققت نجاحاتها فيها كـ “موديل” ثم قدمت تجارب درامية في مسلسل “الثمن” وجذبت الأنظار بشدة بمشاركتها لنجمين من العيار الثقيل “كريم عبد العزيز وأحمد عز” في واحد من أضخم وأكبر الأعمال السينمائية “كيرا والجن” ليضعها القدر في مسلسل “القدر” الذي يصعد بها كنجمة رغم ضعف العمل نفسه إلا أن موهبة “رزان” بأهم ما يميزها من نعومة وبساطة الأداء انتصرت وسجلت اسمها في كشف النجوم أمام أصحاب الخبرات الطويلة”ديمة قندلفت” و”قصي خولي” اللذان قادا سفينة العمل باقتدار بالرغم من كل عيوبها الفنية.

وعن الصاعدة “فيكتوريا عون” صاحبة الـ 19 عام التي قدمت شخصية “دانا” فختمت شهادة ميلادها الفنية التي صدرت لها في “ستيلتو” وأكدت أننا أمام مشروع نجمة كبيرة لامعة سيكتمل سريعاً لأنها تمتلك كل مقوماتها من شكل وموهبة وذكاء وتركيز واحترافية تفوق عمرها بمراحل.

كان الهدف الأول هو تعريب المسلسل التركي “لعبة القدر” بحبكة درامية تبرز تدخلات القدر في مسار الحياة فيتحول الثنائي “ديمة قندلفت” و”قصي خولي” بمهارتهما الفردية إلى “القدر” الحقيقي لإنقاذ مسلسل “القدر”.