السنيورة في الكونسرفتوار الوطني: محاولات ممنهجة لإطفاء جذوة الثقافة اللبنانية


زار الرئيس فؤاد السنيورة المعهد الوطني العالي للموسيقى والتقى رئيسته هبة القواس في مكتبها في مقر الكونسرفتوار في سن الفيل.
تناول اللقاء أبرز تطورات الاستراتيجية التي وضعتها القواس وتعمل على تطبيقها منذ تسلمها مهامها كرئيسة، للنهوض بالمؤسسة من منطلق تفعيل الدور الثقافي والموسيقي للمعهد في خطة النهوض الوطنية، ولاسيما من خلال توجه الكونسرفتوار إلى بناء بنية تحتية ثقافية، تشكّل رافعة اقتصادية وصولًا الى اقتصاد منتج للمعهد الوطني للموسيقى.
وأطلعت القواس الرئيس السنيورة على بعض الخطوات التي تعمل على إنجازها، مقدّرةً الدعم الذي يقدمه للمعهد، مستعينة بخبراته الوطنية لاسيّما على الصعيدين المالي والاقتصادي. كما أطلعته على تطورات المبنى الجديد للكونسرفتوار المقدّم كهبة من الدولة الصينية، والذي سيشكّل علامة ثقافية فارقة وفريدة في منطقة الشرق الأوسط.

وشكرت القواس دولة الرئيس على الهدية القيمة التي قدمها للمعهد وهي آلة عود مميزة، هي من أجود أنواع الأعواد وأهمها من صناعة مؤسسة “فاروق تورونز” الشهير، كانت قدمتها للسنيورة “شركة مجموعة الراي الإعلامية” عقب المقابلة التي أجرتها معه القناة التلفزيونية الكويتية، وهو بدوره قدمها هدية للكونسرفتوار.
وأثنى السنيورة على الجهود المبذولة في سبيل النهوض بالمعهد الوطني، الذي شبّهه “بالواحة” في بلد بات يفتقد إلى الكثير من عناصر تميّزه، بعدما عُرف تاريخه بالتميّز. وقال: “يتطلب منا اليوم واجبنا الوطني استعادة ما يُسمّى عناصر التميّز للبنان الذي قام تاريخه على هذا التميّز، المناخي والجغرافي والتنوّع المتآلف بين العناصر السّكانية. فقد تميّز وطننا بتنوع المعارف في المنطقة في العقود الماضية، إلى أن بدأ عصر الظلمة يغزو لبنان في الربع الأخير من القرن العشرين، بعدما عاش عصر النهضة في نهاية القرن التاسع عشر. لكن رغم كل شيء ما زالت لدينا لمحات من هذا التميّز. مع العلم أن تحركنا نحو التآلف مع المتغيرات بدأ يتراجع، والفجوة بدأت تزداد بيننا وبين العالم.”
ورأى السنيورة أن الأهم اليوم هو إعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة في لبنان في تسلّم المناصب العامة، والمحاسبة على أساس الأداء في ما يسمى “الثناء والعقاب”. وقال: “إن هذه المعايير كانت من ثقافتنا، فتراجعت تدريجيًا وعدنا إلى عصر “التفاهة” وتقديسها، لأن الهدف هو الإتيان بمن لديهم ولاء لنا، لأننا نحرص على استمرارهم وترقيتهم وحمايتهم لكي يبقوا تابعين لنا. وما حصل، أن الميليشيات أدخلت إلى الدولة وأمل البعض أن تتخلّق هذه الميليشيات بأخلاق الدولة، فحدث العكس إذ تخلّقت الدولة بأخلاق الميليشيات. هذا هو السقوط اللبناني”.
وشدد السنيورة على أهمية الثقافة في الارتقاء بالأوطان والشعوب، وأعطى مثلًا على ذلك أربعة مشاريع يعتز بها من أجل جذوة الثقافة في لبنان، ويعتبرها أهم ما عمل لإنجازه عندما كان رئيسًا للحكومة، تحقق أحدها، والثاني في طريقه إلى التحقق والآخران لا يزالان معلّقين، والمشاريع هي: المكتبة الوطنية التي أنجزت بهبة قطرية، المشروع الثاني الذي يعتبر نصف منجز، هو مشروع المتحف التاريخي لمدينة صيدا بهبة من الصندوق العربي والصندوق الكويتي، والثالث هو المركز اللبناني العماني للثقافة والفنون بهبة من السلطان قابوس الذي حُدد في وسط بيروت، وكانت المنافسة عليه ما بين 400 مؤسسة دولية. والمشروع الرابع هو المتحف التاريخي لمدينة بيروت بهبة من دولة الكويت”.
وأضاف: “نرى كل يوم محاولات لإطفاء جذوة الثقافة اللبنانية وضرب الهوية الوطنية في شكل ممنهج، ولكن يجب أن نتمتع بإيمان كبير لاستعادتها. استرجاع تميزنا يكون عبر إيماننا وتصميمنا على هذا التميز، وعلينا أن نتذكر أن أكثر اللحظات سوادًا في الليل هي اللحظات التي تسبق انبلاج الفجر. ورغم كل ما خسرناه في لبنان ما زلنا نتمتع بالميزة الأهم التي جعلت لبنان منارة في المنطقة وهي الحرية.”
ثم تحدثت القواس عن ضرورة تثبيت الهوية اللبنانية الثقافية والحضارية من خلال الموسيقى التي تشكّل هذه الهويّة. كما شدّدت على اقتصاد المعرفة واقتصاد الفكر ودورهما في تجاوز الأزمات الكبرى التي نعيشها. وأضافت: “هنا تكمن أهمية بناء الـ “إيكوسيستيم” ليصبح الاقتصاد الموسيقي جزءًا من الاقتصاد الوطني، وهذا ما أسعى إليه من خلال علاقاتي، مثل الرئيس السنيورة، للوصول إلى هيكلة اقتصادية عبر مجموعة من الاقتصاديين اللبنانيين والعالميين”.