الملكة رانيا لـ هاربر بازار: “احلمي وحققي نجاحك”


تصدرت الملكة رانيا ملكة الاردن غلاف مجلة هاربر بازار الشرق الاوسط لعدد شهر آذار في حوار مطول وجلسة تصوير خاصة بدت فيها بغاية الجمال والاناقة، وتحدثت عن مواضيع ومفاصل مهمة جداً في المنطقة العربية واسهبت بالحديث عن المرأة العربية بمختلف المجتمعات التي تعيش فيها وبرسالة مختصرة عنوانها الدافع، توجهت اليها لتصر على تحقيق أحلامها، لان لا شيء مستحيل.

وجاءت المقابلة على الشكل التالي

سؤال: تأخذين على عاتقك مهاماً عامة وبالغة الأهمية في قضايا مختلفة منها قضايا خاصة بحقوق الإنسان، ربما أكثر من أي سيدة أولى أخرى في المنطقة، لماذا؟

جلالة الملكة: أعتقد أن سيدات أوَل كثيرات حملن هموم مجتمعاتهن وناصرن لأجل قضايا تلك المجتمعات بطريقتهن وحسب ظروفها. بالنسبة لي لم أتخذ قراراً في يوم من الأيام بأن أتحدث عن مواضيع معينة بأسلوب مباشر، لكنّني أشعر أنّه شيء عليّ القيام به لإيماني بأنّ أيّ صوت يعلو ضد الظلم يساهم في تقويض قوته.

إنّ أهم شيء في الحياة هو أن تكون صادقاً مع ذاتك ومُخلصا لقيمك، وأن تعيش حسب معتقداتك وتحارب من أجل قناعاتك، وكذلك أن تقول الحقيقة، خاصة في وقتنا هذا الذي يهيمن فيه الخوف والتعصب والكراهية على الخطاب.

ونحن بحاجة لمواجهة تلك الأساليب، وبالأخص الروايات التي يتم بثها عن الشخصيات العامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بالتحديد. من الضروري أن نقف ونتحدث ونقدم روايات عكسها، لأنه من أجل تجنّب إساءة التفسير أو سوء الفهم، عليك أن تروي قصتك بنفسك حتى لا يأتي شخص آخر ويملأ الفراغات.

سؤال: لا شك بأنّكم في الأردن، ونظراً لموقعكم الجغرافي، تشهدون أمثالا كثيرة من المعاناة الإنسانية، فكيف تواجهين هذه المواقف وكيف تتعاملين على الصعيد الشخصي معها؟ وكيف تبقى ثقتك بالإنسانية قوية؟

جلالة الملكة: تعترضنا جميعاً وبشكل يومي صور معاناة وظلم. وقد يدفعنا ذلك أحياناً إلى التشاؤم، لكن من الضروري أن نتذكّر أنّه حتى في أسوأ الظروف وأحلك المواقف، ما زلنا نرى أفعالاً تخفف معاناة الآخرين وهي أمثلة حية عن التضحية والإنسانية. وأنا لست مستعدة للتخلي عن ثقتي بالإنسانية، فهناك قدر كبير من الخير والإحسان في البشرية. كما أن ديننا يعلمنا تخّطي تلك المواقف الصعبة بالصلاة والصبر والعزيمة والرضى.

سؤال: ما أهمية أن يكون للمرأة من هذه المنطقة صوت وحضور على المستوى العالمي؟

جلالة الملكة: أعتقد أنّ ذلك أمر ضروري جداً لأنّ صوت المرأة تمّ تغييبه لمدة طويلة. وعندما يتعلق الأمر بالنساء في الشرق الاوسط هناك العديد من الخبراء العالميين المستعدين للتدخل والتحدث بالنيابة عنهن، وعادة ما ينتج عن ذلك روايات غير دقيقة أو مجرد صور نمطية. وكثيرا يتم تصويرهنّ إما كمتطرفات خطيرات أو كضحايا مضطهدات. والواقع المغاير لذلك يبقى مفقوداً في الرواية. لذا، من الضروري جدا أن تتكلم المرأة عن نفسها بنفسها، لأنّ الصور النمطية غير دقيقة ولا تعكس حقيقة النساء في الشرق الأوسط. وعلينا نحن إيصال صوت النساء بحيث تتمكّن كلّ امرأة من التحدّث عن قصتها وعن إنجازاتها ومحاولاتها. وتظهر الصورة الحقيقية للنساء العربيات تنوعا كبيرا لا يمت للنمطية بشيء. ففي مناطق العالم العربي المختلفة، تتميّز كل امرأة عن الأخرى بطريقتها الفريدة ونرى نماذج كثيرة لتلك النساء، إلا أنّني أعتقد أنّه ما زال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكّن من ترك بصمة على الساحة العالمية.

سؤال: كيف تشجعين نفسك على مواصلة العمل والسعي، لأنّه كان من الممكن أن تنعمي بحياة أكثر هدوءاً؟

جلالة الملكة: كما قلت سابقاً، يجب أن نكون جميعاً صادقين مع أنفسنا ومتمسكين بقناعاتنا التي هي صُلب هويتنا الشخصية، بالنسبة لي أن أجلس دون عمل ليس من سمات شخصيتي. وإختيار الأسهل لمجرد أنه أسهل لم يكن في يوم جزء من قناعاتي. ولا يمكن أن يكون الطريق السهل هو الصحيح، فهو لا يأخذك إلى حيث تريد أن تكون. ولو أردتُ السهل، لما اهتممت بالتعليم، وهو مَهمة صعبة وتحدٍّ هائل. التعليم رحلة طويلة ليس فيها مكاسب أو حلول أو إصلاحات سريعة. كما أنّ إصلاح التعليم يتخلّله الكثير من المقاومة والتشكيك. لكن في بعض الأحيان، عندما أشعر أننا بالفعل قد أحدثنا اختلافاً، حتى وإن كان بسيطاً، كأن أرى معلمين يستفيدون من التدريب ويشعرون بالتمكين عبر المهارات الجديدة التي باتوا يمتلكونها، ويفكّرون كيف سيلهمون طلابهم في غرف الصف، أجد بالفعل أنّنا نحدث تغييراً. وهذا يعطينا الحماسة دوماً، لأنّنا نشعر بقيمة وجودنا حينما نترك بصمة، وحينما نؤثر بطريقة إيجابية على حياة الآخرين.

سؤال: هل يتأتّى عن ذلك تضحية شخصية، كفقدان الخصوصية على سبيل المثال؟

جلالة الملكة: ثمّة تضحيات بالتأكيد، فعندما تكون في موقع عام تتعرض للانتقادات وإطلاق الأحكام. كما أنّ هناك بعض القيود والمجالات التي لا يمكن الخوض فيها كون ذلك غير مقبول. نعم هناك بعض التضحية، وهناك فقدان للخصوصية. ففي كثير من الأحيان، عندما تكون في موقع عام، لا تكون خياراتك مُلكك لأنك في الحقيقة لا تعيش لنفسك فقط. هناك سلبيات لكن هناك فرصاً أيضا، وأشعر بأنّه شرف وميزة أن أكون في موقع أستطيع من خلاله خدمة الناس. وكما قلت سابقاً بأنه في كثير من الأحيان يكون الطريق لما يستحق منا العناء صعبا وطويلا. وفي النهاية، ما نتشارك به هو أننا جميعاً، سواء كنّا شخصيات عامة أو مواطنين، نريد حياة لها معنى، وأعتقد أنّ معنى حياتك يكمن في قدرتك على التأثير بإيجابية فيمن حولك.

سؤال: ما الذي تتمنّينه لأبنائك؟

جلالة الملكة: بالتأكيد، مثل أي أم، أريد أن يكون أبنائي سعداء وقادرين على مواجهة التحديات. دائماً أخبرهم بأنهم هم من يحملون اللقب، وليس اللقب هو الذي يحملهم، وأن يفكروا بالأمر على انه مسؤولية أكثر منه ميزة. وأحرص على أن يلتزموا بمبادئ ديننا الحنيف وبعقيدتهم وأن يفخروا بتاريخهم.

وفي نهاية المطاف، يبقى الدين وتبقى القيم والمبادئ والأخلاق التي نغرسها فيهم منذ نعومة أظفارهم هي أساس هويتهم. كما أريد أن يكون أولادي متواضعين، وأن يمتلكوا قيم التعاطف والرحمة، وأعتقد أنّنا كأهل علينا تعليمهم منذ الصغر كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتهم واحتياجات الآخرين.

وبالرغم من أنّنا لا نستطيع حماية أطفالنا من جميع الأمور التي ستلقيها عليهم الحياة، إلا أنّنا عندما نغرس فيهم القيم الصحيحة يتولّد لديهم الإحساس بالثقة، وعندها سيمتلكون القدرة على التصرّف بمرونة والتعامل مع تحديات الحياة.

سؤال: كيف توازنين جلالتك بين الموضة والأناقة في ظل المواظبة على إيصال رسائل أكثر أهمية؟

جلالة الملكة: ما يهمّني بالدرجة الأولى هو عملي وليس ما أرتديه. أدرك تماماً أنه عليّ تمثيل بلدي بصورة جيدة. لذا، أختار من الملابس ما يتناسب مع موقعي، ويناسبني كامرأة. بالطبع، إنّ إحدى سلبيات كوني امرأة في موقع عام هو أنّه سيكون هناك دوماً تعليقات على ملابسي ومظهري. وفي بعض الأحيان، قد يكون هناك مبالغة، وأعتقد أن ذلك جزء من العمل العام. لكن في نهاية المطاف، آمل أن يعرفني الناس لعملي وليس لملابسي.

سؤال: نبارك لك جلالة الملكة إطلاق منصة “إدراك” للتعلم الإلكتروني ..

ما هي طموحاتك لها في المستقبل؟

جلالة الملكة: شكراً، أعلّق آمالاً كبيرة على منصة “إدراك” التي أطلقناها عام 2014. وهي منصة تعليمية إلكترونية. وصلت “إدراك” إلى أكثر من 2,2 مليون مستخدم، لتصبح بذلك أكبر منصة تعلّم إلكتروني للمتعلمين البالغين في العالم العربي – لكن بالرغم من هذا الإنجاز، يبقى الطريق أمامنا طويلا لتحقيق ما نطمح لتوفيره للمتعلمين العرب كبارا وصغارا، وقد وضعنا نصب أعيننا الآن تمكين الأطفال في عمر المدرسة أيضاً. وأطلقنا في شهر أيلول/سبتمبر الماضي منصة “إدراك” التي ستقدّم مناهج إلكترونية في جميع المواد الأساسية للأطفال العرب في كل مكان، متضمّنة كافة المراحل الدراسية من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر.

وقد بدأنا بالفعل بالرياضيات، وهناك المزيد في المستقبل، لتشمل المنصة في نهاية المطاف آلاف الفيديوهات والاختبارات والتمارين التعليمية باللغة العربية والتي تغطي كل ما يتعلّمه أبناؤنا في المدارس، وجميعها متوفرة بشكل مجاني لمن لديه اتصال بالإنترنت. هدفنا هو تزويد جميع الأطفال العرب ممّن هم بالعمر المدرسي بتعليم نوعي مجاني، سواء كانوا في المدن أو القرى أو مخيمات اللجوء أو مناطق النزاع. التعليم مسؤولية كبيرة لا يمكن لمنطقتنا تحمّل تبعات تأجيلها.

لأنّ حرمان الطفل من التعليم لا يُعدّ مأساة بالنسبة للطفل وحده، بل يعيدنا جميعاً الى الوراء. لذا، نحن مدينون للأطفال ولأنفسنا، بإعطائهم الفرصة.

سؤال: كيف تتابعين تفاعل أبنائك مع مواقع التواصل الاجتماعي؟

جلالة الملكة: أحرص على تذكيرهم بأن لا يعيشوا من خلال الهاتف بل أن يلتفتوا لحياتهم الفعلية ويستمتعوا بما حولهم ومن حولهم.

فلا شكّ في أنّ الإنترنت أداة فعالة، لكننا بالمقابل نراها تفعل وتسيطر أكثر مما نريد، وأخشى من سوء استخدامها. كما أعتقد أنها ساهمت في إبراز كثير من المواهب والقدرات لدى الأطفال، وحين أشاهد قنوات على يوتيوب أو مواقع إلكترونية يديرها أطفال، أشعر أنّهم ملهمون حقاً.

هذا جانب من جوانبه الإيجابية الكثيرة، لكنّه يبقى فضاءً خطيراً، ويمكن أن يتعرّض الأطفال من خلاله للسلبية أو التنمر أو أن يشاهدوا محتوى غير لائق، أو ما يجعلهم يشككون بأنفسهم أو يشعرهم بالنقص. فعندما يبدأ الناس بالتفكير في أنّ حياة الآخرين أفضل من حياتهم، قد لا يشعرون بالأمان، حتى أنّني أتفاجأ أحياناً عندما أرى أنّ شخصيات البعض على الإنترنت تختلف كثيراً عما هي عليه في الحقيقة.

وهذا ما يجعلني أتساءل، لماذا تشعر بأنّه عليك أن ترتدي قناعاً؟ لماذا تشعر بأنه عليك أن تظهر بصورة معينة أمام الآخرين؟ لماذا لا يمكنك أن تشعر بالارتياح بما أنت عليه؟

لأنّه في المحصلة، ما يهم ليس عدد الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يهم هو حقيقتك وإنجازاتك وما تقوم به لتطوير نفسك ومهاراتك.

سؤال: إنّ إصدار الأحكام على الآخرين في تزايد مستمر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فما خطورة ذلك برأيك؟

جلالة الملكة: إنّ إصدار الأحكام هو جزء من طبيعتنا البشرية، ولطالما كان متواجداً حتى قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. واليوم، تفاقم مع انتشارها.

لا سيما أنّ خاصيّة إمكانية إخفاء الهوية جعل مشاركة التعليقات الساخرة ونشر الإدانات المدمرة سهل جداً. نرى انتشارا كبيرا وسريعا للصور النمطية أو المعلومات الخاطئة لدرجة يصعب احتوائها. وهناك مجموعة من الأشخاص يعزّزون المفاهيم الخاطئة ويساهمون في نشر الخطابات التي تحدث الفتن والخلافات بين عدد لا يحصى من الأشخاص حول العالم.

وأرى أن الخطر هنا جوهري، وهو يزداد خطورة عندما يبدأ الجدل الإلكتروني باكتساب شعبية على أرض الواقع، وعندها تُعزز السلبية على فيسبوك أو تويتر السلبية في الشوارع أو المدارس أو النقاشات بين الأصدقاء أو حتى مع الغرباء.

في الحقيقة، لقد اخترقت تداعيات سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية، وقد وصلنا الآن إلى درجة لا يمكن تحملها! إنّ أفضل ما يمكننا انتهاجه في هذا الشأن لا يكمن في التقليل من استخدامنا لهذه المنصات، بل في أن نصبح أكثر وعياً لما نحن عرضة له على الإنترنت.

فإن كان هنالك خطاب سلبي، على سبيل المثال، يلوح من حولنا، علينا أن نتساءل أولاً ما إذا كان من الممكن تصديقه وأن نفكّر جيداً قبل أن نشارك في الحوار.

سؤال: ما هي التحديات التي يواجهها تمكين المرأة في العالم العربي، وكيف يمكن تخطيها وكيف ترين تطور دور النساء في المنطقة؟

جلالة الملكة: إنّ النساء حول العالم قادرات على رؤية الطرق المباشرة وغير المباشرة التي يمارسها التمييز الجندري والتي تمنعهن من التقدم. لكنني أعتقد أن المرأة في الوطن العربي تتعامل مع محددات وتحديات إضافية نظرا لما تمر به أوطان عربية من نزاعات. لأن النزاعات تضع المرأة على آخر سلم الأولويات. بل وتنتزع من النساء كثيرا من المكتسبات والحقوق التي عملن جاهدا لتحقيقها. وإذا نظرنا إلى الكثير من الدول التي تعيش أزمات، نجد أن لا أحد يتحدث عن النساء ومعاناتهن. حتى في الأردن حيث ننعم بالأمن والاستقرار لا يزال أمامنا الكثير لننجزه. فرغم تحقيق الفتيات معدلات أكاديمية أعلى من الأولاد إلا أن نسب دخولهن سوق العمل بعد ذلك أقل بكثير لصعوبة ايجادهن الفرص والظروف المناسبة للعمل ولمواجهتهن الكثير من العوائق الاجتماعية أيضا.

غير أن عزيمة المرأة العربية ووضوحها غالباً ما يلهمانني، فهي مبدعة ومصممة. وعلى سبيل المثال، ثلث الشركات الناشئة على الإنترنت في العالم العربي تديرها إناث، وهي نسبة أعلى من سيلكون فالي! وهذا دليل كبير على عزيمة المرأة العربية وإصرارها على النجاح بالرغم من التحديات. وثمّة الكثير من النجاحات في العالم العربي. إلا أنّه علينا أن نسعى لتعزيز هذه النجاحات، والتحدث عنها والاحتفال بها، وأن نوجد علاقات بين تلك النساء، لأنني أقول دائماً إنّ لذلك تأثير أحجار “الدومينو” العكسية، حيث ترفع كلّ امرأة غيرها، لينتهي بنا المطاف جميعاً واقفين.

إنّ الدعم الأكبر الذي يمكن للمرأة الحصول عليه يأتي من إمرأة أخرى تشجعها وتدفعها لتطمح وتعمل لأجل تحقيق حلمها.

سؤال: هل تعتقدين أنّه ثمّة مشكلة مع المفاهيم الخاطئة العالمية عن النساء في العالم العربي وما الذي قد يغير ذلك؟

جلالة الملكة: أرى فجوة في الروايات بين صورة المرأة العربية في الغرب وحقيقتها. إن نساء الوطن العربي يمتلكن عزيمة كبيرة وطموحات كثيرة. لدينا نساء نفاخر بإنجازاتهن وأخريات نفاخر بهمتهن وعطائهن. لكننا لا يمكن أن نتوقع من بقية العالم أن يدرك نجاحاتنا وإنجازاتنا ويراها ويتحدث عنها إن لم ننشرها نحن. لذا علينا الاحتفال بالنساء العربيات بصورة أفضل، وتسليط الضوء على نجاحاتهنّ وتوفير بيئة تشجعهن على العمل والتعبير والمشاركة. عندها يمكننا البدء بتغيير نظرة العالم للمرأة العربية.

سؤال: ما وضع التعليم في العالم العربي اليوم؟ هل هو في تحسّن أم في تراجع؟

جلالة الملكة: في العالم العربي، ملايين الأطفال الذين يتلقون تعليماً غير نوعي قد عفى عليه الزمن، ولا يؤهلهم لسوق عمل اليوم، ناهيك عن سوق الغد. إضافة إلى الملايين الذين تقطعت سنوات دراستهم تماما بسبب النزاعات. للأسف أزمة التعليم لا تتصدر الأجندات ولا يُنظر إليها على أنها أزمة طارئة.

بالرغم من أنها ستكون الأشد فتكا والأكثر تأثيرا على مستقبل دولنا. علينا أن نفكر في الأطفال الذين لا يرتادون المدارس، وأولئك الذين يحصلون على تعليم غير جيد، والذين يحرمون من المشاركة أو الفرص، ماذا سيحل بهم؟ هل سيصبحون عرضة للتأثر بالأيديولوجية المتطرفة؟ هل سيكونون عبئاً على المجتمع؟ هل نقدم لأبنائنا تعليما يؤهلهم لوظائف عصرهم؟ ما هو تأثير عدم توفير تعليم نوعي لأطفالنا العرب على مستقبلنا في المنطقة؟ إنّ إصلاح التعليم يحتاج لأن يكون أولوية إقليمية. لأنّ الأمر متعلّق في نهاية المطاف بأن يكون الفرد قادراً على الحصول على المهارات اللازمة للمشاركة في اقتصاد اليوم، وأن يشعر بأنّه قادر على المنافسة، ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال تعليم نوعي.

سؤال: وكيف يمكن تحسين الوضع؟

جلالة الملكة: باغتنام الفرص التي أمامنا، فالشعب العربي معظمه من الشباب. وبالتالي مع التدخلات الصحيحة، وباستخدام الأدوات التي بين أيدينا اليوم ولم تكن متوفرة قبل عشرين عاما يمكننا القفز بواقعنا أميالا إلى الأمام.

علينا التكاتف والعمل معا لإيصال التعليم إلى كل مدرسة وبيت وقرية ومخيم كي لا يحرم أي طفل من التعليم ونتدارك مخاطر تهميش شرائح كبيرة من مجتمعاتنا. نحن محظوظون بأن تكنولوجيا العصر تستطيع إيصال التعليم بوقت حقيقي لكل مكان. وما نراه الآن كتحدٍّ من الممكن أن يصبح فرصة لإحداث تغيير سريع جداً، وأعتقد أنّ التعاون هنا مهم جداً لأنه بكل وضوح تمتلك بعض الدول موارد أكثر من غيرها وإن تكاتفنا يمكننا حشد الموارد التي نحتاجها.

سؤال: ما هو تأثير استقبال الأردن للكثير من اللاجئين، وكيف تتعاملون مع الموقف؟

جلالة الملكة: كانت أزمة اللجوء السوري صعبة بالنسبة للأردن، ليس فقط بسبب أعداد اللاجئين الكبيرة، لكن أيضاً لأنّنا بلد فقير بالموارد، وقد كلفنا احتضان من لجأ إلينا كثيرا ولا يمكننا تحمل ذلك العبء. فالبنية التحتية والأنظمة التعليمية والمرافق الصحية والمياه جميعها ترزح تحت ضغط هذه الزيادة الفجائية في عدد السكان. وعلى سبيل المثال، اضطرت مدارسنا الحكومية لاستقبال عشرات الآلاف من الطلبة السوريين، مما أجبرنا على تطبيق نظام الدوامين في العديد منها. لكننا كدولة واضحون بخصوص ثوابتنا.

لم نستطع صدّ أشخاص أبرياء هربوا من الحرب والموت واليأس. وأعتقد أنّ موقف الأردن وقيادته وشعبه سيسجله التاريخ كمثال للقيادة الأخلاقية والشجاعة.

سؤال: ما هي أفضل طريقة لتغيير الصور النمطية السلبية عن المسلمين؟

جلالة الملكة: هناك أكثر من 1,8 مليار مسلم في العالم، ومع ذلك يواصل كثيرون في اختزالهم رغم تنوعهم الشاسع وخلطهم مع أشخاص لا يمثلون سوى أقلية صغيرة ترتكب جرائم بشعة بإسم الإسلام. إن ديننا الحنيف يعلمنا التعاطف والتسامح واحترام الأديان الأخرى، ويدين الكراهية والتعصب وعدم التسامح. كما أنّ على المسلمين مسؤولية الدفاع عن دينهم واستعادة قيمه ومبادئه الحقيقية التي– قبل وقت ليس بطويل – بَنَت حضارة فكرية متنوعة ومزدهرة. في الوقت ذاته، لا يمكن أن يكون هناك فهم حقيقي أو ثقة حقيقية في عالم تقسمه الأسوار، ولا يمكن تخطي الخلافات إلا بمعالجة التعصب المتزايد والخوف من الآخر. ما ينساه الناس هو أن التطرف ليس حكرا على دين واحد أو منطقة واحدة. والتاريخ شاهد على مجموعات على مر العصور اقترفت جرائم باسم الدين.

سؤال: ما مخاطر الانعزال وما الذي يمكننا فعله لتغيير العقليات؟ ما خطورة سياسات التخويف والترهيب؟

جلالة الملكة: إنّ الخوف شعور قوي، وفي عالم اليوم غير الواضح، أصبح قوة سياسية فتاكة. نحن نعيش في حقبة من التحول غير المسبوق، وقد ترك الإيقاع المتسارع للتغيير الكثيرين على الحافة. فالناس قلقون بخصوص الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، والعنف والهجمات الإرهابية، وهم قلقون بخصوص مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم. الخوف يدفع الناس للابتعاد عما يبدو غير مألوف لهم، وللبحث عن الطمأنينة في ما يبدو مألوفاً، وهذا ما يجعل الشعبوية والانعزالية مغرية. كما أنّ الفشل في تمكين هؤلاء الذين يشعرون بالتهميش، أفسح المجال أمام الآخرين لاستغلال قلقهم وزرع الانقسامات والكراهية. كما أن تخويف الناس هو أسهل طريقة لكسب الشعبية، بتبرير مخاوفهم وتضخيمها والقاء اللوم على فئة أو مسبب خارجي مثل اللاجئين أو العولمة – هذا بالتأكيد أسهل من إيجاد حلول دائمة وحقيقية لمخاوفهم. لكن الحقيقة هي أن عالمنا متشابك ولا يمكن لأي دولة أو مجموعة النجاح بمفردها. الانطواء والعزلة ليسا من الخيارات القابلة للتطبيق، بل خطوة عكسية إلى الوراء. كما هو الحال مع الأزمات الكبيرة مثل التغير المناخي والركود الاقتصادي وأزمة اللجوء العالمية، كلها باتت تحديات عابرة للحدود. لذا، بدلاً من تشجيع التحيز وإلقاء اللوم على الآخرين، علينا أن نعمل معاً من أجل البحث عن حلول مستدامة للقضايا التي يعاني منها عالمنا.

حسبما ورد بموقع alanbatnews