توفي الموسيقار اللبناني الكبير زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عاماً اليوم. وقد نعاه رئيس مجلس النواب اللبناني الاستاذ نبيه بري كاتباً : “لبنان من دون زياد اللحن حزين.. والكلمات مكسورة الخاطر… والستارة السوداء تُسدل على فصل رحباني إنساني ثقافي فني ووطني لا يموت”.
وأضاف برّي: “أحر التعازي للعظيمة فيروز، لآل الرحباني وجميع اللبنانيين، برحيل الفنان المبدع زياد الرحباني الذي جسد لبنان “الحلو” كما أحبه فنظمه قصيدة وعزفه لحناً وأنشده أغنية.. وداعاً زياد”.
وكتب رئيس الحكومة نواف سلام عبر حسابه عل منصة “اكس”: “بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانًا مبدعاً استثنائيًّا وصوتًا حرًّا ظلّ وفيًّا لقيم العدالة والكرامة. زياد جسّد التزامًا عميقًا بقضايا الإنسان والوطن. من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود. بصراحته الجارحة، زرع وعيًا جديدًا في وجدان الثقافة الوطنية. أتقدّم من القلب بأحرّ التعازي لعائلته، ولكل اللبنانيين الذين أحبّوه واعتبروه صوتهم”.
وُلد زياد عاصي الرحباني في بيروت، في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1956. هو الابن البكر للسيدة فيروز والمؤلف الموسيقي والمسرحي والشاعر عاصي الرحباني، ونشأ في بيتٍ موسيقيّ بامتياز، حيث كانت الألحان والنصوص والمسرحيات جزءاً من الحياة اليومية.
منذ طفولته، أظهر زياد ميلاً واضحاً إلى الموسيقى. بدأ يعزف على البيانو في عمر مبكر، وراح يتابع ما يدور حوله من عمل فنيّ بصمت ودقّة. وفي سن المراهقة، بدأت تظهر ملامح موهبته بشكل لافت، وخصوصًا حين اضطرّ إلى تأليف لحن أغنية “سألوني الناس” عام 1973 بسبب مرض والده. كانت تلك أول مرّة يوقّع فيها عملاً غنائياً بصوته الخاص، من دون أن يُعلن اسمه علناً.
مع الوقت، بدأ زياد يبتعد تدريجياً عن الأسلوب الرحباني الكلاسيكي، وسلك طريقاً فنياً مغايراً. اختار المسرح كمساحة للتعبير عن مواقفه السياسية والاجتماعية، وكتب أولى مسرحياته “سهرية” وهو في السابعة عشرة. تبعتها أعمال كثيرة شكّلت تحولًا في المسرح اللبناني مثل: “نزل السرور” (1974)، “بالنسبة لبكرا شو؟” (1978)، “فيلم أميركي طويل” (1980)، “شي فاشل” (1983)، “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” (1993).
تميّزت هذه المسرحيات بلغتها العامية الساخرة، وبطرحها المباشر لقضايا الحرب، الطائفية، الطبقية، والفساد، بعيداً عن التجميل والخطابات المنمّقة. وكان زياد يكتب النص، ويلحن، ويشارك أحياناً في التمثيل أو الإخراج، جامعاً بين الفكرة والتطبيق في عمل واحد.
في مجال الموسيقى، مزج زياد بين الجاز والموسيقى الشرقية، وقدّم أعمالًا مختلفة من حيث التوزيع والأسلوب. من أشهر ألبوماته: “إلى عاصي” (1978)، “بما إنّو” (1992)، “مونودوز” (2001)، “ماشي الحال” (2015).
كذلك لحّن عدداً من الأغاني لوالدته فيروز، أبرزها: “كيفك إنت”، “ولا كيف”، “عودك رنان”، و”قهوة”. كانت تلك التجربة الخاصة بين الأم والابن واحدة من أكثر المحطّات تأثيراً في مسيرته.
إلى جانب الفن، لم يُخفِ زياد مواقفه السياسية، وارتبط اسمه بخط اليسار اللبناني، ودعم قضايا العمال والفقراء. عبّر عن آرائه من خلال نصوصه، ومقابلاته، وبرامجه الإذاعية التي استخدم فيها أسلوب السخرية والنقد اللاذع.
على المستوى الشخصي، تزوّج زياد من دلال كرم، وله منها ابن واحد، قبل أن ينفصل لاحقاً. حياته الخاصة بقيت في الظل إلى حدّ ما، لكنها انعكست في أعماله التي حملت دائماً شيئاً من الحنين والتعب والغضب.
ورغم غيابه عن الإعلام في فترات طويلة، ظلّ حضوره ثابتاً في الوجدان اللبناني، سواء من خلال موسيقاه، أو مسرحياته، أو عباراته الشهيرة التي تحوّلت إلى أقوال متداولة.