طلال أبوغزاله .. أصاب في التحليل وأخطأ في التعويل


بقلم: سليم سليم

ذائع الصيت ورجل الاقتصاد والأعمال المعروف الدكتور طلال ابوغزاله، الذي جاء الى لبنان لاجئاً مع الفلسطينيين عام 1948، أصبح حديث الشارع من خلال اطلالاته الاعلامية والاخبار التي يتم نشرها عنه في لبنان خصوصا فيما يتعلق بتحليلاته الاقتصادية والسياسية وتوقعاته للأحداث للحد الذي دفع بالعديد من النقاد – وما اكثرهم- الى اتهام الرجل بالتبصير والنظرة التشاؤمية.  

وكمواطن لبناني خسر حاضره ومستقبله وعندما اراد الهجرة وجد العالم يئن تحت وطأة ازمة اقتصادية غير مسبوقة، كان الدكتور أبو غزالة قد حذر منها، بحثت في خلفية هذا الرجل النابغة وانجازاته، فتبين انه ملقب بـ “عرّاب المحاسبين العرب” وهو أحد أهم رجال الأعمال في الوطن العربي ووصل الى العالمية من خلال المجموعة التي أسسها من تحت الصفر، وتبوأ عدداً كبيراً  من المناصب الرفيعة في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ما يعني انه كان على اطلاع دائم على السياسات والدراسات وما كان يدور خلف كواليسها.

فإذا كنا طوال حياتنا نؤمن بالأجنبي وبرأيه، واذا كان الأجنبي نفسه مؤمن بعبقرية هذا الرجل وسلّمه كل هذه المناصب، لماذا اذاً لا نأخذ برأيه! او هي مجرد “ضيقة عين” !!

بالأدلة، وباعترافات ابوغزاله نفسه في اكثر من محضر، هو متهم بإدمانه على القراءة، وينتشي كلما قرأ الدراسات والأبحاث العالمية، خصوصا تلك المتعلقة بالدراسات الاقتصادية والتوجهات في السياسات الاقتصادية، بل ويجرؤ آثماً باستخدام عقله والمنطق لتحليل تلك الدراسات ليخرج بعدها بنتيجة تبدو منطقية بالنسبة له، وتبصيراً بالنسبة لغيره، والنتائج بطبيعة الحال قد تصيب وقد تخطئ لأنها عامل متغير في ظل الظروف الرمادية التي تحيط بنا.

وبعد قراءة مقاله الأخير حول “الإعصار الاقتصادي القادم”، وملاحقة تصريحاته السابقة خصوصا في بعض حلقات برنامجه “العالم الى اين” على قناة روسيا اليوم، تبين لي وربما لغيري الكثير ممن تابعوه كمرجع اقتصادي مهم، بان الرجل أصاب في التحليل.

وجدت انه اصاب في تحليل العديد من القضايا الاقتصادية وفي حديثه عن حرب أمريكية-صينية وشيكة بدأت طبولها تقرع في بحر الصين الجنوبي، وبدأ الحديث دوليا عن حرب عالمية ثالثة كان قد توقعها ابوغزاله مسبقاً.

وذات تشرين، وقبل جائحة كورونا بعام كامل، تنبأ ابوغزاله بضرورة التوجه نحو التعليم الالكتروني وانه سيأتي يوم ليصبح هذا الخيار حتمياً على الجميع، داعيا جميع الدول الى تطوير بنيتها التحتية لمثل هذا الأمر، لتأتي الجائحة وتجبر الجميع على الجلوس خلف الشاشات قسراً وبدون أي تحضيرات مسبقة لناحية الكهرباء والاتصال بشبكة الانترنت.

وعاد ابوغزاله مرة اخرى ليطل علينا في تصريح خطير حذر فيه من التعامل بالعملات الرقمية والتجارة بها لأسباب عديدة قام بذكرها وتفسيرها بنفسه للشباب العربي ليحميهم منها، لتأتي كارثة انهيار العملات الرقمية بعد اشهر قليلة وتتسبب بخسائر فادحة للعديد من المتعاملين بها، وزاد ان ظهر مؤسس مايكروسوفت بيل جيتس ليؤكد على كلام ابوغزاله وصرح بأن من يتعامل بالعملات الرقمية هو مجنون.

وما ان استلمت نسخة من الرسالة التي وجهها ابوغزاله الى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي خلال الشهر الجاري حول قضية المودعين والخطأ القانوني الفادح الذي قد ترتكبه الحكومة اذا اعتبرت ان المودعين هم عبارة عن مضاربين، بحثت أكثر في تصريحاته المخصصة للبنان، وتبين لي بأن هذه الرسالة لم تكن سابقة، بل دأب الرجل على ارسال رسائل متعددة لمعظم المسؤولين اللبنانيين ليسدي لهم النصيحة لما فيه خير لبنان كلبناني الهوى اكثر من اللبنانيين انفسهم، وهنا اخطأ ابوغزاله في التعويل، حيث انه عوّل الكثير على مسؤولين لم يكونوا على قدر المسؤولية، بل اخذوا البلد الى هاوية لم تصل بعد الى قعرها والجميع ينتظر لحظة الارتطام الكبير.   

أذكر أنه وبعد ثورة تشرين 2019 بشهرين وفي جلسة خاصة في منزل احد المسؤولين كان مدير إعلام أبوغزاله في لبنان برهان الأشقر حاضراً فيها الى جانبي وجانب عدد من الزملاء الإعلاميين، وهمس الأشقر حينها بأن ابوغزاله كان قد وجه برقيات تهنئة الى حكومة سعد الحريري الثالثة التي تشكلت في بداية العام 2019، وكان اللافت في تلك البرقيات ما حملته برقية موجهة الى وزير الزراعة حسن اللقيس وبرقية اخرى موجهة الى وزير الصناعة وائل ابوفاعور ووزير الصحة جميل جبق، نصح فيها الأول بالإسراع في زيادة المنتجات الزراعة والتوجه لزراعة محاصيل استراتيجية لتحقيق الإكتفاء الذاتي للبنان وحماية امنه الغذائي لأن قادم الأيام لا يبشر بخير.

 وقدّم ابوغزاله الى وزيري الصحة والصناعة نصيحة ذهبية ندفع ثمنها الان دماً حيث تمنى عليهما ضرورة التوجه الى الصناعات الدوائية بشكل واسع وان يصبح لبنان من الدول المصدرة للأدوية، حيث انه، وبحسب ابوغزاله كونه رائداً بالملكية الفكرية والحقوق وبراءات الاختراع، تستطيع أي دولة تصنيع اي دواء بمجرد مضي عشرين عاما فقط على اختراعه فلا يصبح حكراً على الشركة التي اطلقته، ويحق لأي كان انتاج نفس الدواء وبنفس التركيبة وبإسم جديد.

بالقياس، بكل تأكيد قام صديق لبنان المخلص بتوجيه رسائل مشابهة لكل وزير في تلك الحكومة واسدى لهم النصائح، وأكاد أجزم أنهم لم يلقوا لها اذاناً صاغية وقاموا بإرسال ردودهم كبرقيات شكر على التهنئة، فعلى من تقرع مزاميرك يا طلال!

واذا تتبعنا مسار الأحداث نجد المسؤولين وبعد الإنهيار الإقتصادي استفاقوا متأخرين ولم تعد لدينا رفاهية الوقت، فخرج علينا سماحة السيد حسن نصرالله ناصحاً المواطنين بزراعة بعض الخضروات والفاكهة على اسطح وشرفات المنازل للتخفيف من وطأة الكارثة، ولكن ماذا بشأن الصناعات الدوائية في ظل اختفاء معظم انواع الأدوية من الاسواق خصوصا ادوية الأمراض المزمنة.

وبالرغم من احتجاز أمواله في البنوك اللبنانية شأنه كشأن باقي المودعين ولجوئه الى القضاء لاسترداد حقوقه، لم يحقد أبوغزاله على لبنان واللبنانيين، ولم ييأس من محاولة مد يد العون، فقام بإيفاد مدير إعلامه الأشقر بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت للقاء دولة رئيس الوزراء حسان دياب وبعدها للقاء فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون حيث – وبحسب ما نشرته الصحافة – قام بعرض المساعدة في مجالات متعددة لم يتم تحديدها، ولكن ومهما كان نوع تلك المساعدات، فإن اي مساعدة من أي نوع كان لبنان بأمس الحاجة لها خصوصاً في ظل هذه الظروف الصعبة.

في ظل ما سبق، وبدلاً من تسطيح تحليلات ابوغزاله و اخذها على غير محمل الجد، أرى انه حريٌ بنا الإستعانة بهذا الرجل كخبير اقتصادي لإيجاد حل للأزمة وخطة تعافي للبنان بعيداً عن شروط واملاءات صندوق النقد الدولي الذي يعرف كواليسه وسياساته اكثر منا.