كشف المخرج المصري الكبير داود عبد السيد في حوار طويل استغرق حلقتين كاملتين على قناة “سي بي سي” التابعة لـ”المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية” (مملوكة للمخابرات العامة)، ليتحدث عن مشواره الفني الطويل، وعن سبب بقائه 6 سنوات كاملة من دون تقديم عمل جديد، معلناً اعتزاله العمل السينمائي.
داود عبد السيد قال نصاً للمذيعة قصواء الخلالي عبر برنامجها في “المساء مع قصواء”: “أنا اعتزلت الحمد لله”، وأضاف: “لا أستطيع أن أتعامل مع الجمهور الموجود حالياً… والنوع السينمائي الذي يفضله، هذا تيار آخر”. وأضاف: “أتحدّث عن تيار الشباب، ومشكلة هذا الإنتاج أنه إنتاج مموَّل، وإنّ من يقدم الدعم يختار من سيدعم… أنا أفضل دائماً أن يكون تمويل الفيلم من تذكرة السينما”.
وتابع داوود: “الجمهور السابق كان جمهور طبقة وسطى، وكان لديه هموم واهتمامات، والسينما التي كانت تقدم كانت تخاطب هذه الاهتمامات”.
وأثار خبر اعتزال المخرج داوود عبد السيد، الجدل في الوسط الفني، وذلك لمكانته الفنية الكبيرة وأعماله الهامة على مدار مشواره الفني الحافل، وحرص عدد من صناع الفن النقاد من توجيه رسائلهم إلى داوود وجاءت كالتالي.
محمد العدل علق على اعتزال “داوود عبر حسابه على فيسبوك وكتب”:استاذ داود عبد السيد، افخر بأنى عاشرتك وصادقتك واستمتعت بأفكارك، رغم حزنى الشديد على قرارك لكن لك كل الحق، قرارك قرار سليم جدا ويتفق مع المعطيات الموجودة،خالص تحياتى وحبى وامتنانى لشخصك الكريم.
المخرجة هالة خليل عبرت عن حزنها الشديد لاعتزال داوود عبد السيد وكتب عبر حسابها على فيسبوك”: خبر حزين، انقذوا السينما النظيفة”.
وعبّر الناقد طارق الشناوي، عن استياءه الشديد من خبر اعتزال المخرج داوود عبد السيد، الذي كان لا يعلم به.
وقال طارق الشناوي، في تصريح لـ “صدى البلد”: “أنا أول مرة أعرف الخبر دلوقتي .. داوود عبد السيد بالفعل بقاله عدة سنوات بعيد عن الاستديوهات، لكن واحد زيه مينفعش يعتزل، وهو مطلوب لحد الآن ورأيي انه لازم كلنا نطالب بعدم ابتعاده، لأن اعتزاله مش مجرد اعتزال أحد المخرجين .. اعتزاله إهانة كبيرة لينا كلنا.
بينما أكد الناقد عبد الله غلوش، في تصريح خاص لـ “صدى البلد” أن اعتزال المخرج داوود عبد السيد خسارة للفن المصري. “خسارة كبيرة؛ وأتمنى أن يراجع قراره من جديد؛ مصر مفيهاش مخرجين كتير زي داوود عبدالسيد”، “صاحب رؤية وطرح مختلف بخلاف جرأته في طرح افكاره ومنحه الفرصة لوجوه لم يتوقع أحد انهم هايكونوا نجوم وابطال لأعمال سينمائية مهمة”.
وأضاف :” المخرج داوود عبدالسيد ممكن ميكونش عمل افلام كتير لكن مفيش فيلم عمله كان دون المستوى ولم يحدث ضجة وقت عرضه، وهو ما يدل على قيمته كمخرج ومبدع كبير للأسف حسابات السوق والمنتجين خلال تلك الفترة لم تعد تناسب فكره وطموحه.
والمعروف في الوسط السينمائي، وما أكدته مصادر من داخل “المجموعة المتحدة” التابعة للمخابرات العامة قبل ذلك لـ”العربي الجديد”، أن هناك تعليمات صدرت منذ عام 2018، لشركات التوزيع والإنتاج السينمائي بعدم التعامل نهائياً مع المخرج داوود عبد السيد وإنتاج أية أفلام له.
وفي عام 2018 تقدم أحد المحامين، ويُدعى محمد حامد سالم، للنائب العام بالبلاغ الرقم 1494 لسنة 2018، ضد عبد السيد، والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، وجميع أعضاء “الحركة المدنية الديمقراطية”، يتهمهم فيه بالتحريض على قلب نظام الحكم، والإضرار بالأمن القومي، والاقتصاد المصري، بعدما أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية حسبما ورد alaraby.co.uk.
عام 2018 تقدّم محام بدعوى ضدّه يتهمه فيها بالتحريض على قلب نظام الحكم
وقال عبد السيد في تصريحات آنذاك إن “ما حدث ليس بجديد، لذلك قابلته في بادئ الأمر بالسخرية على ما آلت إليه الأوضاع، لكني في قرارة نفسي موقن بأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ”.
وأضاف أنه لم يكن يتوقع أن يُقدم ضده بلاغ لأمر سياسي، حيث عُرف لدى قطاع كبير ممن وصفهم بذوي الأفكار الظلامية، بأنه مخرج يحرّض على انحلال المجتمع، فكان بديهياً أن يكون البلاغ ضد أعماله السينمائية، وقال: “يبدو أن الفاشية الدينية لا تختلف كثيراً عن الاستبداد، كلاهما له أتباعه في الشارع، الذي يريدون إسكات المبدعين، والأصوات الرافضة لأي وضع سيئ، وما فعله هذا المحامي، ومن هم على شاكلته يمارسون بلطجة بالقانون، أو بمعنى آخر، هو نوع من الإرهاب الفكري”.
وقال داوود في تصريحاته أيضاً، إنّ من حقه كمواطن إبداء رأيه في أي عملية سياسية كالانتخابات واختيار المرشحين أو مقاطعتها، وإن الدستور المصري يكفل له هذا الحق، مضيفاً: “ما يقال عن إسقاط الدولة (كلام فارغ) ونوع من أنواع الإرهاب الفكري”.
وبالعودة إلى الحوار عبر “سي بي سي”، كان لافتاً أن المخرج الكبير لم يتعرض مطلقاً في حديثه لفكرة وجود “تضييق على العاملين بمجال السينما” أو موضوع المنع الذي تعرض له على مدار سنوات، لكنه في المقابل حمّل الجمهور وحده مسؤولية اعتزاله السينما.
وفي الحوار، قال عبد السيد: “جمهور اليوم يدفع أكثر من 70 و100 جنيه ويمتلك سيارة، وليس لديه اهتمامات، ويبحث عن التسلية، والسينما تقدم له هذه التسلية، إنما الجمهور القديم لم يكن يستطيع أن يذهب إلى السينما إلا في الأعياد مثلاً، أنا شخصيًا هناك أكثر من صالة سينما في القاهرة لم أزرها يوماً، ولا أعرف كيف يقصدونها أصلاً فتكلفتها مرتفعة جداً”.
عبد السيد قال أيضاً إنه “يعشق كل أعماله المقدمة لجمهوره، ولا يفاضل بين أي من أفلامه”، مضيفاً: “الجمهور يتغير، والجمهور ما قبل “الكيت كات” غير الموجود حالياً، وهناك تغييرات تحصل في المجتمع”.
بدأ داوود عبد السيد مسيرته الفنية بالعمل مساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها “الأرض” ليوسف شاهين، و”الرجل الذي فقد ظله” لكمال الشيخ، و”أوهام الحب” لممدوح شكري، ثم بعد ذلك توقف عبد السيد عن مزاولة هذا العمل، ليتجه لإخراج الأفلام التسجيلية، وأهمها “وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم” الذي أُنتج عام 1976، ويوثّق فيه تاريخ محو الأمية في مصر منذ الاحتلال البريطاني، ومروراً بالحقبة الناصرية، وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي، غير متجاهل للأبعاد السياسية والاجتماعية التي حكمت عملية التنمية، ليخلص إلى أن الأميّة بقيت رغم محوها بوسائل مختلفة، وبالطريقة نفسها أخرج فيلمين تسجيليين آخرين هما “العمل في الحقل” (1979)، و”عن الناس والأنبياء والفنانين” (1980). ويكيبيديا.
ومن أشهر أفلامه “الصعاليك”، و”البحث عن سيد مرزوق”، و”الكيت كات”، و”أرض الأحلام”، و”أرض الخوف”، و”مواطن ومخبر وحرامي”، و”رسائل البحر”، و”قدرات غير عادية”.
تشارك المخرج السينمائي المصري (1946) مع رفاقه من صنّاع سينما الواقعية الجديدة مثل محمد خان، ورأفت الميهي، وعاطف الطيب، وخيري بشارة في مصر بتقديم أعمال لا تستند إلى الحبكة التقليدية التي طغت لعقود طويلة، وفي الخروج من الاستوديو إلى الشارع، ومواجهة تابوهات كانت شبه غائبة عن الشاشة الفضية في مصر.
مساعدات للنص ويكيبيديا ووكالات صحفية مصرية