رحلة موسيقيّة أصيلة في تاريخ النغم المشرقيّ


بمناسبة عيد الميلاد المجيد، قدّم تخت الموسيقى الفصحى العربيّة للجامعة الأنطونيّة برئاسة البروفيسور نداء أبو مراد أمسية موسيقيّة ساحرة، سَرقت عقول أكثر من 400 شخص، كان قد غَصَّ بهم مسرح الجامعة الأنطونيّة في منطقة مجدليّا\زغرتا.

وبعد مقدّمة رائعة من عريفة الحفل الإعلاميّة ماريّا يمّين، تحدّث مدير فرع مجدليّا\زغرتا الأب فرانشسكو الخوري عن معنى الميلاد الحقيقيّ الّذي يكمن في التحرّر الإنسانيّ من العبوديّة للتّسامي بواسطة حالات العشق والحبّ، مستشهدًا بالشّعر الصّوفي لرابعة العدويّة “عرفت الهوى مذ عرفت هواك”.

بعد ذلك، قدّم التخت الموسيقيّ رحلةً موسيقيّة نغميّة ساحرة عبر الزّمن، بكثير من الحرفيّة والإبداع، والتّجديد المتأصّل، دامت لقرابة السّاعتين، أسرَت قلوب الحاضرين، الذين كانت تصدح أصواتهم بآهاتٍ من هنا أو هناك دالّة على مدى انغماسهم في حالات الوجد ونشوات الطرب.

وقد ضمّ تخت الموسيقى الفصحى العربيّة في الجامعة الأنطونيّة إلى جانب د. نداء أبو مراد في موقع الإعداد والإدارة والعزف على الكمان وعلى الكمنتشة، كلّ من د. هيّاف ياسين (المدير الأكاديميّ لكليّة الموسيقى وعلم الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة) عزفًا على آلتيّ السّنطور والسمسميّة (نوع من القيثارة القديمة)، بالإضافة إلى الأستاذ محمّد عيّاش ترنيمًا وعزفًا على العود، كما الأستاذ غسّان سحّاب عزفًا على القانون، والسيّد سليمان أبو هنّود والآنسة رفقا رزق ترنيمًا.

وقد بدأ الحفل بالنشيد الحوريّ، من تراث مملكة أوغاريت (رأس شمرا – اللاذقيّة، 1500ق.م.)، المكتوبة بالحرف المسماريّ (أوّل مدوّنة موسيقيّة في التاريخ)؛ تلاه سلسلة أناشيد سريانيّة مارونيّة وسريانيّة أرثوذكسيّة لمار أفرام السريانيّ (306-373)؛ ثمّ طريقة وصوت «على صَبِّكُمْ” لصفيّ الدين الأرمويّ (المتوفّى سنة 1294م)؛ ثمّ طريقة وصوت “ألا يا حَماماتِ الأراكَةِ” و”أدينُ بدين الحُبّ” للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربيّ (1164-1245)، تلحين نداء أبو مراد. ثمّ قانون الميلاد الأرثوذكسيّ “المسيحُ وُلِد”؛ فتقاسيم حول “لحن الراست” لميخائيل مشّاقة (1800-1888) بحسب أسلوب سامي الشوّا (1885-1965)؛ بعدها قصيدة “عرَفتُ الهوى” للمتصوّفة رابعة العدويّة (717-796)، بحسب أسلوب الشيخ يوسف المنيلاويّ (1850-1911)؛ ثمّ قصيدة “تِهْ دلالاً” لعمر بن الفارض (1181-1235)؛ فتقاسيم حول “الحجاز يكاه” و”نهفت العرب” لمشّاقة؛ ثمّ ترنيم لمار أفرام “بِكَ أَبْتَدِئْ”؛ وأخيرًا أبوليتيكيون عيد الميلاد الأرثوذكسيّ وقصيدة “عن ماء مريم” لابن عربي.

وما قد أصبح لافتًا، هو انتهاج الجامعة الأنطونيّة، لا سيّما في فرعها في مجدليّا\زغرتا، تقديما دوريّ لأمسيات موسيقيّة مشرقيّة أصيلة ساحرة، والّتي باتت تستقطب جمهورًا واسعًا يتوافد إليها من كلّ حدّ وصوب، بغزارة وكثافة وانتظام، كبارًا وشبّانًا وحتّى صغارًا، ليتمتّعوا بمستوياتها الأدائيّة الرياديّة من جهة، وليشاركوها رسائل “العشق” بحثًا عن التساميّ والارتقاء من جهة أخرى.