اليسا تقتبس “الانعكاس المستحيل” بلوحة رينيه ماغريت وهل ستظهر بلوحة فتغنشتاين


بوستر غير واقعي وغير مألوف، اختارتها الفنانة اللبنانية إليسا للترويج لألبومها المقبل، ولكنها ليست فكرة مبتكرة!

الملصق الدعائي للألبوم مقتبس من لوحة تُدعى “الانعكاس المستحيل” للرسامة رينيه ماغريت، ويظهر فيها رجل يقف في المرآة بينما يظهر في المرآة صورة لظهره وليس لوجهه!

في لوحة “الانعكاس المستحيل”، نرى هذا الشخص الواقف أمام المرآة. غير أن المرآة لا تعكس وجهه كما هو مألوف، وإنما ظهره، الأمر الذي يذكّرنا بلوحة خيانة الصورة التي يتساءل فيها الرسّام عن حدود ما هو واقعي وغير واقعي.

ومن الواضح أن هذه اللوحة تحتمل أكثر من تفسير. ربّما كان ماغريت يتساءل عمّا إذا كان بإمكاننا أن نعرف الشخص لو رأينا وجهه أكثر مما نعرفه عند رؤيته من الخلف.

وربما أراد أن ينقل لنا صورة من صور الإحساس بضياع الهويّة وفقدان الذات. ولا ينسى ماغريت، زيادة في إدهاش الناظر وإرباكه، أن يرسم إلى جانب المرآة كتابًا لأديبه المفضّل إدغار الآن بو يحكي فيه عن رحلة خيالية. لكن المفارقة هنا أن انعكاس الكتاب جاء سليمًا، في إشارة، ربما، إلى أن الهوية الحقيقية لا توجد إلا في الكتب.

يمكننا استحضار لودفيغ فيتغنشتاين “Ludwig Wittgenstein” في عالم ماغريت، رغم أن فتغنشتاين موجودٌ في أفق التأمل الفلسفي، وماغريت في أفق الممارسة الفنية والجمالية، ورغم أنه لا يوجد ما يدل على أن ماغريت التقى بفتغنشتاين أو مؤلفاته، لكن كلاهما كان مشغولاً على طريقته بمعركة “افتتان عقولنا باللغة”. فالاثنان لم يتفقا مع الفهم التبسيطي للغة، من خلال إظهار كيف أن عملية التمثيل هي عمليات معقدة تتطلب أكثر من مجرد انعكاس بين الكائن والصورة أو الاسم، لذلك يمكننا ملاحظة التقارب في مساراتهم، وستمكننا هذه المقاربة من استيضاح مشكلة المعنى السيميائية، والمساهمة في تفسير لوحات ماغريت، وكذلك اعتبارها كأمثلة وشروحات فنية لما صاغه الفيلسوف. أي فهم الفيلسوف بطريقة جمالية، وفهم الفنان بطريقة فلسفية.

كان الموضوع الأساس في التراكتاتوس هو اللغة والعالم والعلاقة بينهما، وكان فتغنشتاين قد رأى أن معنى الاسم هو الشيء الذي يشير إليه: حيث حصر مهمة اللغة في عملية تصوير الواقع “فالقضية صورة للواقع”.

وكان تصوره لوظيفة اللغة هي أن عملها الأساس هو إثبات الوقائع أو نفيها، وأننا إذا عرفنا البناء اللفظي للغة فسنجد أن معنى أي جملة سيتحدد، ما دمنا نعرف معاني الكلمات التي تكونت منها، وهذا هو فحوى نظرية “الصورة في المعنى”.

 بينما تبنّى فتغنشتاين “ألعاب اللغة”، بعدما سدّد سهمًا – ضمن ما سدّد  – نحو” حكاية التمثيل”، فرأى أن التسمية قد عولجت في التراكتاتوس على أنها علاقة غريبة تربط الكلمة بالشيء، وتبعًا للتسمية ينبغي أن يدل الاسم فعلاً على ما هو بسيط ، ولكن هذا مناسبٌ لفئة معينة فقط من التعبيرات ، أما ما نعتبره اسمًا بصورة عادية لا يمكن تحديده أبدًا من حيث هو كذلك ، لهذا تبنى في “التحقيقات الفلسفية” القول بأن معنى الكلمة في اللغة هو استعمالها، وأن وظيفة اللغة لم تعد محصورة في عملية “تصوير “الواقع / العالم الخارجي، بل لها استعمالات أخرى ، وهذا تحولٌ بيّن نحو براغماتية اللغة والاهتمام بشكل ونمط الحياة، بدلاً من الشكل المنطقي، بحيث لم تعد معرفة معاني الكلمات كافية لتحديد معنى جملة ما- كي تثبت هذه الجملة واقعة ما- بل لا بد من معرفة كيفية استعمال معاني الكلمات في اللغة .

وهكذا يكون فتغنشتاين قد تحول عن النظرة السابقة إلى اللغة، وعن أن العالم به صور ثابتة، إلى الاهتمام بوظيفة اللغة واستعمالاتها، وأن ما نراه بوصفه النظام المنطقي للعالم إنما يحدث في ألعابنا اللغوية، فلكي نفهم المنطق لابد أن ننظر إلى ممارسة اللغة، وبعد ذلك سوف نراه.

وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر لوحات رينيه ماغريت في الأغاني، فسبق وظهرت لوحة أخرى في كليب “شي غريب” لجوليا بطرس.

من ناحية أخرى، تكرر إليسا التعاون في ألبومها الجديد مع أسماء بارزة سبق أن تعاونت معها، مثل: محمد رحيم، نادر عبد الله، محمد يحيى، أمير طعيمة، وليد سعد، أسامة مصطفى، فضلا عن تعاونها مع أسماء جديدة.